معركة الاستقلال الثالث تبدأ من رئاسة الجمهورية

حجم الخط

كتب شارل جبور في “المسيرة” – العدد 1745

لا تتعامل “القوات اللبنانية” مع الانتخابات الرئاسية على قاعدة سلطة ونفوذ ومواقع وكراسي، إنما انطلاقاً من دور ورؤية ومشروع وهدف، خصوصاً أن رئاسة الجمهورية شكلت الهدف الأول لمحور الممانعة بشقيه النظام السوري ومن ثم “حزب الله”، حيث اعتبر الأول نفسه الوصي على هذا الموقع بعد احتلاله للبنان وإبعاده القوى المسيحية السيادية واضطهادها، فيما عمل الثاني على التحالف مع مكوِّن مسيحي بهدف إبقاء الموقع الأول تحت سيطرته وإدارته، وهذا دليل على محورية موقع الرئاسة الأولى.

فالمواجهة الرئاسية، بالنسبة إلى “القوات اللبنانية”، أبعد ما تكون عن مقولة “قوم تا إقعد محلّك”، إنما تندرج في سياق خمسة أهداف أساسية:

الهدف الأول لبناني بامتياز، حيث إن رئيس الجمهورية، وفقاً للدستور، هو “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقا لأحكام الدستور(…)”، ومن غير المسموح ولا المقبول أن تبقى وحدة الوطن واستقلاله منتهكة بدءا من رأس الدولة، إنما يجب أن تستعيد رئاسة الجمهورية مقوماتها ودورها في الدفاع عن الوطن وشعبه ودستوره، فلا الرئاسة الممانِعة مقبولة، ولا الرئاسة الفاترة مقبولة، إنما المطلوب رئاسة تُجاهر بالحق والحقيقة والحرية والعدالة، وأن تكون فعلاً الرمز الذي يتطلع إليه كل مواطن لبناني بأن هذا الموقع يمثِّله في الدفاع عن ثوابت إنسانية ومسلمات وطنية.

الهدف الثاني مسيحي بامتياز، حيث إن المسيحيين كانوا دوما رأس حربة الدفاع عن لبنان السيادة والحرية والاستقلال والتعدُّد والحياد، ومعلوم أن وضع اليد على رئاسة الجمهورية كان هدفاً أساسياً لنظام الأسد، لأن هذه الرئاسة رفضت المساومة على استقلال لبنان وسيادته، فكان القرار بضربها وتطويعها وسلب قرارها، لأنه من خلال إخضاعها يفقد المسيحيون أحد أبرز مواقعهم المتقدمة في الدولة، واستطرادا أحد أبرز أدوارهم في الدفاع عن الجمهورية التي كان لهم اليد الطولى في هندستها وصناعتها.

فاستهداف الدور المسيحي كان هدفاً أساسياً للممانعة، لأن هذا الدور كان رأس حربة الدفاع عن الدولة من داخل الدولة، وليس بالصدفة وضعت اليد على الرئاسة الأولى وفصِّلت القوانين الانتخابية على قياس إبعاد الممثلين الفعليين للمسيحيين وضُربت الأحزاب المسيحية وفي طليعتها “القوات اللبنانية”، وقد حان الوقت أولاً بعد استعادة الأحزاب لدورها، وها هي “القوات” تمثِّل الشريحة الأوسع والأكبر وخط الدفاع الأول عن الجمهورية، وثانيًا بعد أن أعيدت صياغة القوانين الانتخابية تجسيدا لتمثيل المجتمع على أفضل ما يكون، وبالتالي حان الوقت أن يتم تحرير رئاسة الجمهورية وأن تستعيد دورها المعروف تاريخيا بكونها المتراس الأول دفاعا عن القضية اللبنانية.

وقد أعاد البطريرك الماروني بشارة الراعي التركيز على عنوان تغييب الموقع المسيحي الأول في لبنان والأوحد في الشرق، وقال حرفيا “لن تصمت الكنيسة عن التنديد بعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبتعمُّد تغييب رئيس البلاد المسيحي الوحيد في أسرة جامعة الدول العربية، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في أساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، التعددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل أداء رسالته الخاصة به في بيئته العربية. كلها أمور أساسية لن نسكت عن المطالبة بها”.

الهدف الثالث ميثاقي بامتياز، فالعيش المشترك ليس بالأقوال، إنما بالأفعال وترجمته تكون عن طريق الدستور من خلال رئاسات تمثيلية لتطلعات بيئاتها انبثاقاً من إرادة المجتمع والناس والجماعات والنواب، واستمرار الرئاسة الأولى مخطوفة من قبل الممانعة يشكل انقلاباً متواصلاً على ميثاق العيش المشترك، ولا يكفي تصحيح الواقع الميثاقي في مجلس النواب، إنما يجب تصحيحه على مستوى رأس الدولة الذي يمثِّل الدور الأول للمسيحيين، ولا يجوز أن يكون شاغل هذا الموقع شاهد زور ومزوِّر لتطلعات المسيحيين وخطهم التاريخي.

الهدف الرابع سيادي بامتياز، حيث إن المواجهة السيادية المستمرة منذ عقود فقدت أحد أبرز أعمدتها وهي رئاسة الجمهورية التي يجب أن تكون الصوت الصارخ في الداخل والخارج دفاعًا عن لبنان وسيادته واستقلاله، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تكون في موقع المدافع عن مشاريع غريبة عن لبنان، ولا عن سلاح غير شرعي، ولا أن تكون متفهمة لهذا السلاح ودوره المدمِّر للبنان، وبالتالي حان الوقت أن تستعيد رئاسة الجمهورية دورها السيادي المعهود، فلماذا يكون رئيس مجلس النواب مدافعًا شرسًا عن السلاح غير الشرعي ويمارس دوره بشكل غير دستوري، وممنوع على رئيس الجمهورية أن يمثِّل تطلعات بيئته بالسيادة والحرية؟

الهدف الخامس إصلاحي بامتياز، حيث إن رأس الدولة يفترض أن يكون المثل والمثال والقدوة في الدفاع عن مصالح اللبنانيين ووضع حد لمنظومة سرقت أموال الناس وأوصلت البلد إلى الانهيار والدولة إلى الفشل، ويكفي أن يشكل الرئيس الغطاء للقضاء والمؤسسات الرقابية، وأن يكون الداعم لاقتراحات القوانين الإصلاحية، وأن لا يأبه بتحميل المسؤولية لكل من يمنع الإصلاح في مؤسسات الدولة، ومعلوم أن منظومة السلاح والفساد تريد إما ان يكون رئيس الجمهورية في صلب مشروعها الممانع، وإما أن تقايض معه الموقع بأن يكون شريكاً في المنظومة، الأمر الذي أساء إلى موقع الرئاسة الأولى ودورها.

فالمطلوب أن يكون الشخص المناسب في الموقع المناسب، ولم يعد مسموحًا ولا مقبولاً أن تبقى رئاسة الجمهورية مخطوفة من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، إنما حان الوقت لتحريرها من الثنائي الإيراني الممانع كمدخل لاستعادة دورها اللبناني التاريخي، ويستحيل تحرير الجمهورية قبل تحرير رأسها، وتحرير الرأس قد أينع، والمطلوب مواصلة الصمود والمواجهة.

ويبقى أن “القوات اللبنانية” لا تخوض مواجهاتها من اعتبارات سلطوية وذاتية، إنما كل مواجهاتها تنطلق من أهداف وطنية كبرى، ورئاسة الجمهورية تشكل هدفاً لبنانياً ودستورياً وميثاقياً وسيادياً وإصلاحياً، ولن تقبل “القوات” بأن تبقى الرئاسة الأولى مخطوفة وتقوم بدور يتناقض مع دورها التاريخي ومع البيئة التي تمثلها، فمعركة الاستقلال الثالث تبدأ من رئاسة الجمهورية.

شارل جبور ـ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل