ليس شرطاً أن تكون خائناً، لتخدم عدوّك وتحقق مصالحه وتسعى لنصرته، هناك أمور قد تقدم عليها أو ترتكبها سواء كنت “تعلم” أو “لا تعلم” تكون أشد ضرراً في نتائجها، حتى لو أُلبست تلك النتائج لبوس “العزة والكرامة والانتصارات البشريّة وحتى الإلهية”.
في أجندة العدو:
ـ إن العدو الإسرائيلي منذ ما قبل نشأة دولة إسرائيل ومع نشأة الصهيونية سعى ويسعى وسيسعى دائماً لتقويض المجتمعات المناقضة لفكره والدول المنافسة له اقتصادياً، خدماتياً، تجارياً، سياحياً، فكرياً، حضارياً وثقافياً…
ـ سعى العدو ويسعى الى إضعاف وحتى إنهاء هذه المجتمعات وتلك الدول باعتماده كل الوسائل غير المشروعة، من خلال استعماله القوتين “الناعمة” و”الخشنة”.
ـ أكثر ما أقلق العدوّ ويقلقه “مبدئياً” هي “المقاومة”، من منظمة التحرير الفلسطينية مروراً بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول” وأفواج المقاومة اللبنانية “أمل”، وصولاً الى المقاومة الإسلامية في لبنان وأعني بها هنا “الحزب”.
في أعمال المقاومة:
ـ انحرفت المقاومة الفلسطينية في لبنان عن مسارها المقاوم لتزج نفسها في لعبة المصالح والإصلاحات والصلاحيات اللبنانية ولتدخل في زواريب الحرب الأهلية وتتداعى تحت ضربات الفلسطينيين أنفسهم والسوريين وحلفائهم اللبنانيين، الى حدّ خروجها وسقوطها و”ترييح” العدو الإسرائيلي من مقاومتها… من دون “جميلة” هذا العدو.
ـ سقطت “المقاومات” اللبنانية للعدو الإسرائيلي تحت ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان وبتسهيل وتحريض من كل من الدولتين الراعيتين لتلك المقاومة، أعني بهما الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا الأسد. فمن “جمول” مع تصفية أركانها الشيوعيين والقوميين السوريين، الى حركة أمل مع هزيمتها وسقوطها أمام توأمها الحالي “الحزب”، لتحتكر “الاسلامية” أعمال المقاومة في لبنان وتقوى وتخف وفقاً لأجندة العلاقات والمفاوضات “الإيرانية ـ الأميركية ـ الإسرائيلية”، مستغلة ورقة الرهائن الأجانب في لبنان… وفي هذا الإطار تستحضرنا كلمة رئيس حركة امل في تأبين حسن جعفر “أبو جمال”، في 2 كانون الثاني من العام 1990 بقوله: “نقول إنهم قتلوا لنا من القادة باسم المقاومة أكثر مما قتلت إسرائيل. إسرائيل قتلت محمد سعد وخليل جرادي، وهم قتلوا داوود ومحمود وحسن ومحمد حمود ومحمد جزيني قائد المقاومة، واليوم أبو جمال قائد القوات النظامية والمسؤول العسكري لحركة أمل وقائد المقاومة في آن معا”.
ـ شبّ “الحزب” في الثمانينات على خطف الأجانب وتصفية بعضهم، كما شب على الإضرار بمصالح دول هؤلاء مما حدا بدولهم الى إجلاء رعاياها عن لبنان والتضييق اقتصادياً ومالياً عليه، وشبَّ في الثمانينات والتسعينات على تفجيرات واغتيالات في الكويت والسعودية. كما شاب الحزب نفسه مؤخراً وفي الألفية الثالثة، على الإضرار بالمصالح العربية والخليجية بشكل خاص من تدخلات وعمليات أمنية وتهريب للمخدرات، مما فاقم مشاكله الاقتصادية والمالية ودفع بالدول العربية والخليجية خصوصاً لتحذير رعاياها من المجيء الى لبنان ووقف الاستثمارات فيه.
ـ جعل الحزب من مطار بيروت وطريقه مصدرَي قلق لكثير من الوافدين الى لبنان والخارجين منه، سواء كانوا مغتربين لبنانيين او سواحاً أجانب عرباً او غربيين.
ـ عمد الحزب وعن سبق إصرار وترصد وعبر بدائله المصرفية، الى سياسة تبييض أموال السلاح والمخدرات والتهريب وتقويض النظام المصرفي والنقدي في لبنان والتسبب بهروب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية من لبنان.
ـ تسبب الحزب من خلال ممارساته العقائدية على المثقفين والفنانين والإعلاميين وأصحاب الرأي اللبنانيين والأجانب، بتشويه صورة لبنان الحضارية في العالم.
ـ زج الحزب قواته، عديداً وعتاداً، في الحرب السورية واليمنية وفي العراق، مُخلياً جبهات قتاله مع العدو الإسرائيلي، ودفع أثماناً باهظة من قتلى وجرحى، لينال ثناء وشكر وامتنان مسؤولي العدو الإسرائيلي السياسيين والأمنيين والإعلاميين على تورطه “غير الميمون”.
ـ عمد الحزب من خلال ضغوطه المباشرة، على القضاء وعلى السياسيين، فعطّل التحقيق للوصول الى حقيقة “انفجار” أو “تفجير” مرفأ بيروت، الذي كان مركزاً نشطاً لعمليات التصدير والاستيراد والترانزيت، لتحل محله مرافئ الدولة العدوّة بعد انفجار المرفأ وقبله، من خلال أداء الحزب المذكور أعلاه. وهنا لا بدّ من طرح التساؤلات المشروعة: لماذا دُمّر مرفأ بيروت؟ لماذا حُجبت صور الأقمار الصناعية عن التحقيق؟ والأهم، لماذا أجهض “الحزب” التحقيق من أساسه؟ ولخدمة مَن”؟
ـ اعتبر الحزب الترسيم البحري بين لبنان و”دولة اسرائيل” إنجازاً عظيماً من إنجازات “المقاومة”، وإذا نظرنا في “العملي”، نرى أن العدّو قد بدأ منذ لحظة توقيع الاتفاق، باستخراج النفط والغاز من حقل كاريش وباشر التصدير الى أوروبا، في حين أعلن لبنان عبر وزير الطاقة وليد فياض بتاريخ 29 أيلول من العام 2023، أنه “خلال 30 يوماً قد نصل إلى اكتشاف بترولي في الرقعة رقم 9 بالمياه الإقليمية اللبنانية”…
والـ”قد نصل” تعني طبعاً “قد لا نصل”…
ومن المهم الإشارة هنا، الى ما تم الإعلان عنه في قمة الـ20 بتاريخ 9 أيلول من العام 2023، عن “مشروع يهدف إلى ربط الدول العربية بشبكة للسكك الحديدية، يمكن أن تمتد إلى إسرائيل في حال تطبيع العلاقات، ثم إلى أوروبا عبر الموانئ البحرية الإسرائيلية، بالإضافة إلى روابط بحرية مع الهند”. وطبعاً، يغيب لبنان عن هكذا مشروع بفعل جهود وأداء “المقاومة”.
تتقاطع نظرة الحزب الى لبنان المزدهر، مع نظرة العدوّ بتفسيرات مختلفة، وقد عبّر عن نظرة الحزب رئيس كتلته النيابية محمد رعد في 12 تشرين الثاني من العام 2013 بقوله: “قبل زمن المقاومة كنا ننظر إلى الخريطة الدولية والسياسية والجغرافية، ولم نكن نر لبنان بسبب مساحته الصغيرة ولأنه لم يكن له دور. كان تابعاً ومحل عقد صفقات، كان ساحة للملاهي الليلية والسمسرات ولنظام الخدمات ولتمرير تبييض الأموال، هيدا لبنان. لكن الآن يجب إقامة لبنان الجديد الذي ينسجم مع وجود مقاومة فيه”.
الكل يعلم طبعاً أن الدولة الإسلامية في إيران وانطلاقاً من دستورها الذي يفرض تصدير الثورة الإسلامية الى العالم، انشأت “أمة الحزب في لبنان”، لتكون بديلاً عن الدولة المنافسة لإسرائيل، ولكي يكون الحزب المؤتمر من الولي الفقيه بإيران، نقيضاً للدولة ذات الاقتصاد الحر والجيش القوي والثقافة المنفتحة والسياحة والخدمات وغيرها.
يُستدلّ مما تقدّم، أن الحزب “المقاوم” يقدم لعدوّه جوائز كبرى وعلى أطباق من ذهب، في الأمن والسياسة والاقتصاد والتجارة والسياحة… وإن كان يعلم أو لا يعلم فإن أداءه أنتج وينتج مصائباً ومصائبَ أعظم.