“القوات” من أجل الحرية ودفاعاً عن الخطر الوجودي

حجم الخط

كتب إيلي الياس في “المسيرة” ـ العدد 1745

الأحزاب والديمقراطية الحديثة

“القوات” من أجل الحرية ودفاعاً عن الخطر الوجودي

 

لبنان لا يتميّز بكونه دولة سيدة كسائر الدول السيدة، بل بنوعية مجتمعه. هذه النوعية هي كون مجتمعه مجتمعًا حراً، منفتحاً، ديمقراطيًا، تعدديًا، بالمعاني الأصيلة لهذه الصفات الأربع.

 

شارل مالك

من فكرة الفيلسوف الكبير شارل مالك اخترنا أن ندخل بموضوع الديمقراطية وأهمية العمل الحزبي كتجسيد راقٍ لهذه الديمقراطية. فالأحزاب السياسية تعتبر عاملاً حاسمًا في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، وإذا كانت تعمل بكفاءة وشفافية، فإنها تساهم بشكل كبير في تعزيز الديمقراطية.

تجسد الأحزاب السياسية الوسيلة الرئيسية للمشاركة السياسية وصنع القرار في العديد من الدول. ويعتبر دورها أساسيًا في الانتقال السلمي للسلطة والدفاع عن مصالح الناخبين والمساهمة في تحديد السياسات العامة والتغلّب على التحديات الوطنية والإقليمية والدولية.

 

الأحزاب السياسية والديمقراطية:

إذا تعتبر الأحزاب السياسية أحد أركان الديمقراطية الحديثة، حيث تلعب دورًا حاسمًا في تكوين السلطة وإدارة الشؤون العامة وخاصة اتخاذ القرارات المصيرية. إن وجود أحزاب سياسية نشيطة ومتنوّعة يمكن أن تعزز من التمثيل الديمقراطي للمجتمع وتسهم في تجنب تمركز السلطة بيد جهة واحدة أو الاستئثار بالسلطة. إذا كانت الأحزاب تعمل بكفاءة، يمكن أن تكون أدوات فعّالة لتحقيق الديمقراطية، حيث تعمل على تعزيز الشفافية والمشاركة والمساءلة.

تعمل الأحزاب السياسية على توجيه المجتمع نحو التغيير وتقديم رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية. وتساعد في تنظيم المنافسة السياسية الشريفة بين مختلف التيارات والأفكار. تعكس هذه الأحزاب مجموعة متنوّعة من المصالح والقيم، وبالتالي، توفر خيارات متعددة للناخبين لاختيار القادة والبرامج التي تناسبهم.

 

الأحزاب السياسية والتجربة اللبنانية:

تاريخ الأحزاب السياسية في لبنان يمتد لعقود عديدة ويعكس الصراعات والتنوّع الثقافي والديني في البلاد. ظهرت أول أحزاب سياسية في لبنان خلال فترة الانتداب الفرنسي في العقود العشرين من القرن الماضي، ومن حينه شهدت البلاد تطورًا مستدامًا في هذا المجال.

تتنوّع الأحزاب اللبنانية من حيث الأفكار والتوجّهات السياسية، وتمثل مجموعة واسعة من المصالح والمجتمعات. وقد كان للأحزاب السياسية في لبنان تأثيراً واضحاً في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية. يُعتبر مجلس النواب اللبناني مكانًا حيويًا للأحزاب السياسية، حيث يشكل التمثيل البرلماني ممراً لعملية صنع القرار. ظهر “الجيل الأول” من الأحزاب السياسية خلال فترة الانتداب الفرنسي (1920-1943)، تلاه “الجيل الثاني” بعد الاستقلال عام 1943، وثم “الجيل الثالث” خلال فترة الحرب (1990 ـ 1975).

أما خلال مرحلة الاحتلال السوري فيمكن الجزم أنه تم تطويع الحركات الحزبية لتصبح أداة تبرير وتغطية للتجاوزات السياسية وحتى الدستورية خدمة للمحتل. لم تكن ثورة 14 آذار على هذا الصعيد إلا إعادة تقويم لمنطق العمل الحزبي السياسي والأساسي في أي بلد ديمقراطي حديث.

منذ الاستقلال حتى اندلاع الحرب، كان للأحزاب السياسية تأثير متزايد في السياسة المحلية والوطنية، حيث بلغ ذروته في النصف الأول من السبعينات. وفي آخر انتخابات نيابية جرت قبل اندلاع الحرب اللبنانية عام 1972 وصلت نسبة تمثيل الأحزاب السياسية السبع الممثلة في البرلمان أكثر من 30 في المئة من المقاعد البرلمانية.

جذور نشأة الأحزاب السياسية في لبنان مشابهة لتلك التي نجدها في البلدان والمجتمعات الحرة، إذ جاءت انعكاساً لواقعين رئيسيين: الواقع الداخلي، وهو الذي ينطلق من داخل المؤسسات الدستورية، عادة من خلال العمليات الانتخابية وعملية التشريع؛ والواقع الخارجي أو المتعلّق بأزمات الانتماءات الإقليمية والأفكار التي ترتبط بعملية التغيير الاجتماعي والتحديث (التطور الثقافي، التعليم، التنمية الاقتصادية، الصراع الفكري).

تعكس أحزاب لبنان التصدّعات الاجتماعية (سياسية، طائفية، فكرية) والتنافس بين النخب، وتتنوّع من حيث الحجم والتأثير والتمثيل في مناطق لبنان المختلفة. في حين تقتصر بعض الأحزاب على مجتمع معين أو منطقة محددة، وحتى على منطقة داخل المدينة، وتمتلك أخرى قاعدة أوسع على مساحة الوطن. وعلى الرغم من عدم تولي أي حزب للحكم بشكل مطلق في لبنان، فإن الأحزاب السياسية شاركت في السلطة ولها تأثير كبير على صنع السياسات واتخاذ القرارات.

بناءً على عدم وجود نظام استبدادي في لبنان، ولا حزب حاكم، ولا إيديولوجية دولة رسمية، استفادت الأحزاب بشكل كبير من انفتاح لبنان ومن العملية السياسية التنافسية. وتمكنت الأحزاب من التعبير عن آرائها ونشر إيديولوجياتها، ولا سيما الأحزاب القومية، بطرق لم تكن ممكنة في الواقع العربي الذي كان يهيمن عليه نمط الحكم الحزبي الواحد أو الحاكم الواحد.  وعلى الرغم من حظر بعض الأحزاب السياسية في لبنان باتجاهات يسارية وقومية، خاصة في الخمسينات والستينات، إلا أن هذه الأحزاب تمكنت من التنظيم وجذب مزيد من العناصر وحتى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

بعض الأحزاب مثل حزب الكتلة الدستورية، وحزب الكتلة الوطنية، نشأت من تحالفات برلمانية، في حين جاءت نشأة أحزاب الكتائب اللبنانية، والقوميين الاجتماعيين السوريين، والشيوعي اللبناني، والتقدمي الاشتراكي نتيجة لعوامل سياسية، وفكرية، واجتماعية متنوّعة.

اما حزب “القوات اللبنانية”، فهو من الأحزاب اللبنانية الفريدة التي نشأت كحاجة لمجتمع شعر بخطر وجودي ما اضطُره الى أن يلجأ الى السلاح. مقاومة قادت عملية نضال عسكري واجتماعي وسياسي وفكري تبلور بمشروع رئاسي حتى استشهاد البشير، واستمرت بعمل مؤسساتي مع سمير جعجع لم ينهيه الاعتقال فترة الاحتلال السوري عن العودة الى استكمال تمتين منطق المؤسسات الحزبية السلمية ورفع شعار الدفاع عن الكيان بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة.

 

الانتخابات الداخلية:

من هذا المنطلق تأتي أهمية الانتخابات الحزبية الداخلية التي تشكل عاملاً حاسمًا لضمان الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية كما تعكس مبدأ الشفافية والمشاركة والمساءلة، وتشجع الأعضاء على المشاركة الفعّالة في صنع القرارات الحزبية واختيار القادة والممثلين. وتلعب هذه الانتخابات دوراً مهماً في تعزيز الديمقراطية الداخلية وتطوير القيادات السياسية.

أيضاً ومن خلال هذه العمليات الديمقراطية الداخلية، يمكن لأعضاء الحزب اختيار القادة الذين يمثلون قيمهم ورؤسائهم بشكل أفضل. كما تساهم في تعزيز الشفافية داخل الأحزاب، حيث يمكن للأعضاء مراقبة عمليات اختيار القادة وتقييم أدائهم بشكل دوري. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه الانتخابات في تطوير مهارات السياسيين والقادة المحتملين، مما يمنح الحزب قادةً أكثر كفاءة واستعدادًا لمواجهة التحديات السياسية واتخاذ القرارات الحكيمة.

يجب أن ندرك أن الأحزاب السياسية تمثل عنصراً أساسياً في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، وأن دورها يتجاوز مجرد منافسة انتخابية. فالأحزاب السياسية هي الوسيلة التي يمكن للناخبين التعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرار.

وفي ظل التحديات والفرص الراهنة، على الأحزاب السياسية أن تعمل بجد على تعزيز الديمقراطية والعمل من أجل تحقيق مصالح المجتمع والدولة، وأن تعكس حقيقة التنوّع المجتمعي والثقافي والفكري. ونختم بقول لشارل مالك عن ديمقراطية لبنان وفرادتها حين اعتبر أنها لا تُبنى على العدد فحسب، بل أيضًا على التعدّد، لأن العدد وحده يُفرّط بحرية الانتماءات التي يتألف منها المجتمع اللبناني. حفاظاً على الحرية التي من أجلها إنّما وُجد لبنان، وجب أن تكون ديمقراطية لبنان تعددية أكثر منها عددية.

إيلي الياس  ـ محاضر جامعي في التاريخ السياسي للبنان والشرق الأوسط

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل