تاريخ من تاريخ…
لأننا واجهنا ببسالة دفاعاً عن لبنان، ولأننا نصرّ على بناء الدولة وعلى ألا يتكرر الماضي، نسترجع من ذاكرة الزمن أحداثاً خبرناها، لتكون العبرة لمن اعتبر.
نعم، هي الذكرى للعبرة وليس استفزازاً، الذكرى للقاء عابر مع أبطال صنعوا مجد لبنان ويستحقون العودة إليهم عبر صفحات الوقت. الذكرى لتكريم من كانوا متراساً بأجسادهم ليموتوا هم، ويحيا لبنان.
في حزيران من العام 1982، بدأت “القوات اللبنانية” التحضير للقيام بأعمال عسكرية بهدف طرد جيش الاحتلال السوري من الأماكن التي كانت تشكّل نقاطاً حيوية لـ”القوات”. كان جيش الاحتلال السوري متمركزاً في كلية العلوم ـ الحدت، وكان يضيق على كل المنطقة بالقنص وإطلاق القذائف الصاروخية، خصوصاً اثناء تنقل دوريات “القوات”، لذلك اتُخذ القرار بوضع أمر عمليات لتحرير الجامعة.
اكتملت التحضيرات في حزيران، وانطلقت حضيرة مساندة من ثكنة “كسرجيان” إلى بعبدا، حيث رصدت مجموعة الاستطلاع دبابات سورية تربض قرب كلية العلوم، فتم قصفها وتدميرها. وفجر 19 حزيران، انطلق النقيب سمير بو يونس من ثكنة كسرجيان حيث كان آمر فصيلة المساندة فيها، وبحوزته ما يلزم من عتاد إضافة الى مجموعة من سلاح الهندسة، إلى ثكنة كفرشيما للاستطلاع، تحضيراً للمهمة.
تمركزت فصيلة المساندة شرق الجامعة، وسرايا من المشاة شمال شرق البساتين المحيطة. بدأ القصف المدفعي على كلية العلوم حتى شلّت الحركة في داخلها. تزامن ذلك مع إطلاق النار على الطوابق المواجهة، لوقف حركة القناصين بالإضافة إلى قصف طريق الإمدادات من الأحياء المحيطة.
كثافة النيران القواتية عطّلت حركة جيش الاحتلال السوري وشتّتت نيرانه وجعلته من دون فعالية تذكر. بعد التأكد من إسكات النيران العدوة، انتقلت مجموعة الرأس (أي طليعة القوى المهاجمة) إلى مدخل كلية العلوم، وهناك كانت المساندة تحرف نيرانها شمالًا، وعلى الطوابق الثلاثة الأولى، حيث فتحت لهم الطريق فوصلوا الى المدخل الرئيسي تحت تغطية نيران كثيفة فتم السيطرة عليه.
توجّه أول عنصرين من “القوات” الى الداخل، فالتقيا على الدرج بأحد الجنود السوريين مصاباً على الأرض، ظنّوه ميتاً، إلاّ أن اصابته لم تمنعه من إطلاق النار عليهما في غفلة من أأسفل الدرج، ما أدى الى إصابتهما في رأسهما، فاستشهد ايلي مخلوف وجوزف بيطار.
بعدها دخلت القوى المهاجمة وتم انشاء مركزين للمساندة لمنع العدو من الهرب. توجّهت قوة الى مكتبة الجامعة التي يسيطر عليها السوريون وصولاً إلى المقهى الذي كان وراء المكتبة لوقف قوى الدعم السوري والفلسطيني من مخيم برج البراجنة مروراً بحي السلم.
بعد دخول مجموعة الرأس، كانت وحدات الاسعاف تعمل على إخلاء الشهيدين من أرض المعركة. لفت انتباه النقيب بو يونس دموع إحدى رفيقات الإسعاف، وعندما سألها عن السبب قالت: “هل تعرف من حمل إيلي؟ خيو إدي”! واللافت أن إدي استشهد بعد أشهر عدة على طريق الشويفات في كمين مسلح.
في هذا الوقت بدأت المجموعات القتالية تدخل تباعاً لتحرير الغرف واستعادت الطوابق الأرضية والطابق الأول إضافة الى المكتبة، فيما تم تحذير القوى المقاتلة من وجود مواد كيمائية.
دامت المعركة أربع ساعات، حرّرت “القوات اللبنانية” كلية العلوم وانتشرت فيها. أما السوريون، فهربوا من طريق حي السلم تاركين وراءهم ذخائرهم وآليات مدمرة وجنودهم الذين سقطوا في المعركة.
هذا غيض من فيض بطولات “القوات” التي لا تزال حتى اليوم “المقاومة” الحيّة ضد كل الاحتلالات، والتي لا تبخل بالشهداء، حتى في عزّ السلم، من أجل سيادة لبنان!