كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1745
“ثورة” السويداء المتأخرة وآفاتها
خروج من تحت عباءة النظام
مع تقدم “ثورة” السويداء بخطى ثابتة نحو تأكيدها الخروج من تحت عباءة النظام السوري، بات الحديث فيها عن المستقبل والدور السياسي المفترض أن تلعبه القوى الفاعلة في المحافظة. إلا أن “الثورة” بذاتها، تحمل سلسلة من السلبيات والآفات تتشابه مع ما مرّت به الثورة السورية منذ انطلاقتها، وقد تحمل بذور فشلها من داخلها، ومن دون الحاجة حتى لتدخل دبابات وبنادق الجيش السوري النظامي.
انطلقت الاحتجاجات في مدينة السويداء السورية في 17 آب من السنة الحالية، وذلك بعد تنظيم أهاليها عدداً من الوقفات الاحتجاجية في المحافظة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات وفرض ضرائب عالية على سكانها. الخلفية الاجتماعية ـ الاقتصادية للحركة المعارِضة سرعان ما تطوّرت بوضوح، فانتقل التظاهر إلى إضراب عام تلاه عصيان مدني، ومرابطة للمدنيين في “ساحة الكرامة” وسط المدينة بشكل دائم.
لم تبقَ المظاهرات تحت سقف الشعارات الاجتماعية والاقتصادية، بل ارتفعت أصوات نادت بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، والمزيد من الحريات السياسية، وبتطبيق القرار الدولي رقم 2254 الداعي لنهاية الحرب وإرساء عملية انتقالية في السلطة، كما الإفراج عن المعتقلين في السجون السورية، وتحديداً داخل سجون النظام. ومؤخراً، تطوَّر الخطاب السياسي العام في محافظة السويداء إلى حدّ كبير، وبات الحديث فيها عن إنشاء سلطة لامركزية تدير شؤون الناس. هذا ما أعلنته عشرات القوى السياسية والمناطقية في المدينة الواقعة في أقصى الجنوب السوري وقرب الحدود مع الأردن، إذ باتت تسعى منذ عدة أسابيع إلى تنظيم مؤتمر سياسي واسع يشكّل هيئة سياسية مدنية تؤلف لجان وتسد فراغ غياب المؤسسات الرسمية عن المحافظة، فتدير، بالتالي، نفسها بنفسها، لكأنها تتمتع بالاستقلال الذاتي، وذلك أسوة ببعض المناطق السورية الأخرى.
على الرغم من صعوبة تنفيذ هذه الخطوة، وانسداد الأفق السياسي والموارد اللازمة لتنفيذ هذا الأمر، إلا أن السلطات الدينية الدرزية في المحافظة تبدو أقرب إلى تبنّي هذا الأمر، تليها القوى السياسية المحلية، إضافة إلى عموم الناس في مدينة السويداء ومحافظتها. إلا أن الأزمة الأساسية التي تعانيها هذه القوى وهذا المشروع المطروح فيتلخص بثلاثة أمور أساسية. الأول هو غياب الدعم الإقليمي والدولي لـ”ثورة” السويداء، على عكس الإقليم الكردي شمال سوريا، على سبيل المثال، المتمتع بالاستقلال الذاتي كما الدعم الأميركي بشكل مباشر. أما الثاني، فهو غياب الموارد المالية والاقتصادية اللازمة لتنفيذ ما يطمح إليه “الثوار”، خاصة وأن لا معبرًا حدوديًا بين السويداء والأردن، وذلك على عكس محافظة درعا المحاذية التي فيها بضعة معابر مع جارتها الأردنية. أما الثالث والأخير، فهو غياب فهم واقعي لشكل ردّ النظام السوري على هذه الخطوة المفترضة، خاصة وأن النظام لم يجلب آلته العسكرية المقاتِلة إلى السويداء بعد، فيما إقامة منطقة ذات حكم ذاتي في المحافظة، فسيكون بمثابة إعلان حرب يستجلب ردة فعل من النظام السوري ليمارس هوايته المفضلة من وقمع وقتل وتدمير.
في مقابل هذه الصعوبة، تحمل “ثورة” السويداء الكثير من بذور احتمال فشلها من داخلها، وتتشابه تجربتها الفتية مع تجربة الثورة السورية ككل. تأخرت السويداء في الانضمام إلى ركب الثورة أكثر من عشر سنوات، مفضلة المهادنة والتروي ورؤية اتجاه تطوّر الأمور منذ بداية التطورات في سوريا عام 2011. لا تبدو، في الوقت عينه، الكثير من القوى المعارِضة والثورية خارج السويداء متحمسة جداً للتجربة الفتية، إلا تلك التي لم تنهكها الحرب، أو التي لا تزال قادرة على ممارسة بعض النشاط الثوري المعادي للنظام. غياب الحلفاء من الثوار في مناطق أخرى، يتلاقى مع آفة إضافية ترافق كل الحركات الثورية في سوريا، وهي لعب رجال الدين لأدوار تتخطى مسؤولياتهم وتتناقض، في غالب الأحيان، مع مصالح الناس، وهو ما يحدث في السويداء حيث يمارس رجال الدين ومشايخ عقل الدروز الكبار أدواراً سياسية، “ثورية” واجتماعية أساسية في آن.
آفة أخرى ترافق الحركة “الثورية” في السويداء، وتتشابه مع تجربة الثورة السورية ككل، وهي تعدد الشعارات والأهداف والمطالب. بعض “الثوار” يريدون حكمًا ذاتيًا، وغيرهم من المتفائلون يريدون إسقاط بشار الأسد ونظامه، فيما البعض يريد إصلاحات اقتصادية وضريبية في المحافظة، وآخرون يريدون فتح معبر حدودي رسمي مع الأردن لتحسين الظروف الاقتصادية وحياة الناس. هذه التعددية في الأهداف والمطالب لا تشي إلا بقرب بلوغ “الثورة” أجلها، وتشتت أطرافها وناشطيها، كما عدم حملها لمستقبل ثوري موعود لديه القدرة على الوصول إلى نجاح حقيقي.
لا تعني هذه السلبية أن الحركة الاعتراضية في السويداء لا تملك قدرة على إنهاك النظام السوري أكثر، أو أنها لا تتمتع بالقدرة على البقاء على حالتها لعدة أشهر إضافية. إلا أن الرهان على نجاحها فيه الكثير من المجازفة في غير محلّها، خاصة وأن الحركة “الثورية” لم تتعسكر بعد بالشكل الكافي، أو تفكر حتى في أي عمل خارج حدود المحافظة.
بالنظر إلى واقع وتجربة الحرب السورية منذ يومها الأول، لم يُبدِ النظام السوري أي خجل في ارتكاب الجرائم ضد من يعارضه، حتى ولو كانوا من المدنيين أو الأبرياء. في نظرة سريعة إلى تجربة الحرب ككل، لم يتوانَ النظام عن قمع أخصامه إلا حين وجد هؤلاء غطاءً إقليميًا مهمًا، تمامًا كما حصل في شمال سوريا عندما وجد السوريون الجيش التركي إلى جانبهم. أما في حالة السويداء، فتتشابه مع المدن والمحافظات والمناطق الأخرى التي سعت إلى الاستقلال بذاتها والثورة على النظام، فدفعت الثمن بدمائها وأرواحها.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]