يقول مصدر لبناني رسمي إن فرنسا ارتأت اعتماد الدبلوماسية الساخنة لوقف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة “حماس” ومنعها من أن تتمدد إلى الجبهة الشمالية، وأوفدت لهذه الغاية وزيرة الخارجية كاترين كولونا في جولة على المنطقة المشتعلة ومن ضمنها لبنان، بدلاً من أن ترسل أساطيلها وقطعها البحرية على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، لاعتقادها أن الفرصة ما زالت مواتية لتغليب الحلول الدبلوماسية على الحلول العسكرية التي تضع المنطقة برمتها على شفير الهاوية.
ويلفت المصدر اللبناني الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن كولونا ستجري محادثات مع أركان الدولة اللبنانية، ويسأل عما إذا كانت مهمتها في بيروت تأتي في سياق تقديم النصيحة للبنان و”الحزب” للبقاء في منأى عن النزاع الدائر بين إسرائيل و”حماس”، بذريعة أن لبنان لا يتحمل، نظراً لظروفه السياسية والاقتصادية، الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
ويرى أن الحزب يخوض حالياً حرب استنزاف مع إسرائيل؛ ما يضطرها إلى توزيع قوتها النارية بين الجبهة الشمالية وقطاع غزة، بدلاً من أن تبقى محصورة بالأخيرة، ويؤكد أن الفرصة ما زالت مواتية للوصول إلى تسوية تبدأ من غزة، لكن لن تدوم طويلاً.
ويضيف أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وإن كان يعدّ العدة لاجتياح غزة، فإنه بات مضطراً للتدقيق في حساباته العسكرية لئلا يُغرق الجيش الإسرائيلي في رمال غزة المتحركة، والتي يمكن أن تمتد إلى الجبهة الشمالية، رغم أنه يتوجب على “الحزب” أن يبادر إلى تحصين جبهته، بالمفهوم السياسي للكلمة، في ضوء ارتفاع منسوب الدعوات بضرورة تحييد لبنان؛ لأنه ليس هناك من لديه القدرة لتأمين التكلفة المالية لدخوله في حرب في ظل الانهيارات المتتالية التي يشكو منها.
ويؤكد المصدر نفسه أن هناك ضرورة لتحصين الجبهة الداخلية، ما دام هناك من ينصحه بعدم الانجرار إلى الحرب، وبالتالي لا بد من الصمود لقطع الطريق على استدراجه إليها بالتوقيت الذي تفرضه إسرائيل، مع أن اجتياح “حماس” المستوطنات الواقعة ضمن غلاف غزة أدى إلى ردود فعل إسرائيلية لم تكن لمصلحة نتنياهو، الذي اضطُر لإدخال فريق معارض في حكومته ليوحي بأنه بهذه الخطوة استطاع تحصين جبهته الداخلية.
ويكشف المصدر أن باريس لم تنقطع عن التواصل مع إيران و”الحزب” ويقول إنها استَبَقت مجيء كولونا إلى المنطقة بتمرير رسالة سياسية لمن يهمهم الأمر بأن لبنان يقف حالياً على شفير الهاوية، وأنه لا مصلحة في إدارة الظهر للجهود الدبلوماسية الرامية إلى استبعاد الحلول السياسية التي يشارك فيها عدد من الدول ذات التأثير المباشر على أطراف النزاع في الشرق الأوسط.
ويعتقد أن إرسال الأساطيل والقطع البحرية، سواء أكانت أميركية أم بريطانية، يأتي في سياق الضغط الدبلوماسي لقطع الطريق على إقحام المنطقة في حرب لا طائل منها، ويقول إن السباق على أشُدِّه اليوم بين تغليب التسوية السياسية على الجنوح نحو الحرب.
ويؤكد أن الظروف الحالية التي يمر بها لبنان حالياً غير تلك التي كانت قائمة إبان اندلاع حرب تموز 2006، ويدعو لأخذها بعين الاعتبار، خصوصاً أن النصائح التي أسداها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم تأتِ من فراغ، رغم أنه جمع ما بين إسداء النصيحة وتضامنه مع الحزب.
وفي المقابل، يراهن المصدر نفسه على واقعية “الحزب” الذي يقف حالياً أمام مجموعة من الخيارات، ومنها العسكري كرد فعل على اجتياح نتنياهو قطاع غزة، هذا إذا لم يرضخ الأخير للضغوط الدبلوماسية التي تمارَس عليه بذريعة أنه بحاجة إلى تعويم نفسه لحفظ ماء الوجه، وتأمين استمراره في الحياة السياسية، بينما يتوجب على الحزب تقدير حساسية الوضع الداخلي المأزوم تحت ضغط الأزمات التي يتخبط فيها البلد.