دلالات “البجعة السوداء” في الأحداث المتوقعة.. غزة نموذجاً

حجم الخط

“لقد رسخ في أذهان البشر علي مدار مئات السنين، أن كل البجع أبيض، حتى تم اكتشاف البجع الأسود في أستراليا… فكان لهذا الحدث أثره الخطير في التأكيد على محدودية معارف البشر المستقاة من الملاحظات والتجربة،‏ كما تشير إلى مبلغ هشاشة البشر الإدراكية عن الأشياء والأمور. فمجرد مشاهدة بجعة سوداء واحدة، كان كفيلاً بالإطاحة بمصداقية مفهوم ترسَّخ عبر مئات السنين، ناتج عن المشاهدات والملاحظات المُشاهَدة بالعين والتجربة”.

من “كتاب البجعة السوداء ـ تداعيات الأحداث غير المتوقعة”، للكاتب الأميركي اللبناني الأصل نسيم طالب.

يشرح طالب في كتابه الصادر في العام 2007، نظرية “البجعة السوداء” التي أصبحت معتمدة في المقاربات الإقتصادية التجارية والنقدية، وأهمها السياسية والعسكرية الاستراتيجية، بأنها حدث كان له تبعات ثلاث:

1 ـ عرضية: أي أنّها تقع خارج نطاق التوقّعات المألوفة، حيث أن لا شيء في الماضي كان يشير الي حدوثها.

2 ـ تتضمن تأثيراً بالغ الشدة.

3 ـ على الرغم من كونها عرضية، إلا أن طبيعتنا البشرية تجعلنا ننسج لها تفسيرات بعد حدوثها.

وفي التأكيدات على هذه النظرية والتطبيقات لها على أرض الواقع، نعطي ثلاثة أمثلة على “البجعة السوداء:”

1 ـ “حرب الغفران” في 6 تشرين الأول من العام 1973.

2 ـ هجمات 11 أيلول من العام 2001.

3 ـ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول من العام 2023.

فالأحداث الثلاثة كانت خارج السياق المتوقع المألوف وكان لها تأثيرات كبيرة، أدت أو ستؤدي الى تغيير جذري في المشهد، بتداعياتها.

وهنا من المفيد التوسّع في المستجد الجديد منها وهي عملية 7 تشرين الاول في مستوطنات غلاف غزة، التي صدمت المحللين من الأصدقاء قبل الأعداء، وكان وقعها شديداً كما شكلّت خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، وضرباً لفكرة تفوقها وتطورها. وكما استدعت أحداث 11 أيلول 2001 استنفاراً عالمياً وتداعيات على كل المحاور والجبهات والساحات، هكذا كانت التداعيات وقد تكون في عملية “الطوفان”، وقد تؤدي عملية “البجعة السوداء الحماسية” الى تغيير جذري في المشهد.

وانطلاقاً مما قاله نسيم طالب في كتابه “البجعة السوداء” عن “أن ما تعرفه لا يمكن أن يؤذيك، وأن كل منعطفات التاريخ كان سببها البجعات السود، ومن استفاد منها هو الأفضل استعداداً لها والأكثر جاهزية، أي من توقعها ووظفها”، نعرّج على الأحداث المتوقعة التي لم يُحسَن التعامل معها او حتى لم تتم قراءتها، وهي ما سمّاها طالب في مقدمة كتابه “البجعات البيضاء”.

من هنا، نستغرب مثلاً كيف تفاجأ الفلسطينيون والعرب والعالم   بتداعيات “الاحداث المتوقعة” التي تلت “عملية الطوفان” غير المتوقعة، ولم يتجهزّوا لها أو يحتاطوا منها. فمشهد “الأرض المحروقة” وما أطلق عليه إعلام الممانعة “الإجرام الاسرائيلي”، كان يتكرّر منذ ما قبل نكبة العام 1948 وحتى كتابة هذا البحث، على ما وثقته وبثته ونشرته وتنشره وتبشّر به وسائل الإعلام العربية والوسائل الممانعة، وقد تعاقبت الأجيال على هذا المفهوم المعروف منذ عقود من الزمن.

وعملية “السيوف الحديدية” الإسرائيلية “المتوقعة”، لها سابقاتها في تاريخ غزة تحديداً، تماماً كما كان للحرب المتوقعة ولمآسيها في تموز من العام 2006، سابقاتها ولاحقاتها في فلسطين ولبنان. حتى “المجازر” تكررت لعقود متتالية في أحداث مماثلة مشابهة، وقد يكون الآتي “المتوقع” والمعروف سلفاً على الأرض اللبنانية وشعبها ومؤسساتها، شبيهاً أو حتى أشدّ وطأة وضرراً، لما سبق، وطبعاً من دون الاستعداد لذلك الآتي الدموي المدّمر وبـ”أقل جاهزية” في كل المضامير، وكأن المسؤول المعني “المستدرِج” لا ينفكّ ناكراً متجاهلاً متناسياً أو “ناسياً ما قد مضى”.

وهنا يستحضرنا توصيف البرت انشتاين لِمَن يقوم بـ”فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب، ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”.

ما عسانا نتوقّع من نتائج، مع تكرار نفس الفعل بنفس الأسلوب ونفس الخطوات، مع نفس العدّو ولمرات عديدة ومتتالية؟​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل