“أعدّ الإيرانيون اقتراحاً شاملاً بيّن حدود صفقة ضخمة محتملة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، تعالج كافة نقاط النزاع بينهما. كتب صادق خرازي، نجل شقيق وزير الخارجية الإيراني وسفير إيران لدى فرنسا، المسودة الأولى للاقتراح. ثم رُفعت المسودة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية للمصادقة عليها، والذي طلب بدوره محمد جواد ظريف ـ السفير لدى الأمم المتحدة ـ مراجعتها قبل إرسالها إلى الأميركيين، ووضع اللمسات الأخيرة عليها… وفي حوار حول الاحترام المتبادل، عرض الإيرانيون وقف دعمهم لحماس والجهاد الإسلامي ـ الإخوة الإيديولوجيون لإيران في صراعها مع الدولة اليهودية ـ والضغط على المجموعتين لكي توقفا هجماتهما على إسرائيل. وفي ما يتعلق بالحزب، وليد أفكار إيران، وشريكها الأكثر جدارة بالاعتماد عليه في العالم العربي، عرض رجال الدين دعم عملية نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي صرف”.
الصفحة 338 ـ 340 من كتاب “حلف المصالح المشتركة ـ التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، للكاتب الإيراني ـ الأميركي الدكتور تريتا بارزي.
الأكيد هنا أننا لسنا بصدد الإحاطة بكل ما احتواه الكتاب من معلومات استقاها الكاتب بارزي من مصادرها الأميركية، الإسرائيلية، الأوروبية العربية والإيرانية، ولسنا طبعاً بصدد التنقل في مراحل التاريخ الطويل من التعاملات السرية والعلنية بين إيران من جهة وحليفيها “اللدودين” من جهة ثانية، الا أن ما طرأ من أحداث وأحاديث عن صدام “محتمل” أو “حرب” لا بد حاصلة، بين “ثلاثي المصالح” الآنف الذكر، يحتّم على أي باحث استقراء الحاضر والمستقبل من خلال تجارب وأسرار الماضي بتاريخه الحديث.
فالماضي يشهد حسب الكتاب، على علاقات بدأت مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران والمفاوضات السرّية في أزمة الرهائن مع الأميركيين، كذلك مع سماح الإمام الخميني لعدد كبير من اليهود الإيرانيين بالعودة الى إسرائيل مقابل تعاون عسكري ومبيعات أسلحة إسرائيلية لإيران أثناء زيارة لإسرائيل قام بها الإيراني أحمد كاشاني، النجل الأصغر لآية الله ابو القاسم الكاشاني (الصفحة 141-143) حتى قبل صفقة السلاح في الثمانينيات، إبّان الحرب العراقية الإيرانية، وترجمت “التعاملات السرية” بصفقات واتفاقات وحتى بتبادل معلومات بين كل من أميركا وإسرائيل وإيران في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان، على حساب القضايا العربية والقومية الكبرى، حسب ما ذكر الكاتب في “حلف المصالح” بالتواريخ والوثائق والشواهد.
ولأن الهدف من سبر غمار التاريخ هو محاولة استشراف المستقبل، من المفيد مراجعة الأداء الإيراني في “طوفان الأقصى” وتداعياته في الساحة العربية والفلسطينية وعليهما، والذي يحمل في ثناياه صفقة ما او استدراج لصفقات قد يدفع ثمنها الفلسطيني من دمه وماله وقضيته.
وفي الأداء الإيراني نتذكر ما يلي:
على الرغم من تأكيد المستشار العسكري لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العميد أحمد كريم بور في 2 آذار من العام 2017، أن “صواريخنا قادرة على تدمير إسرائيل في 7 دقائق”، لم نشهد حتى تاريخه وبعد مرور 20 يوماً على “الطوفان”، إلا تدميراً ممنهجاً لغزّة، مقابل تصريحات وخطب إيرانية تهديدية حيناً و”تطمينيّة” أحياناً أخرى.
قال المستشار العسكري للمرشد الإيراني، اللواء يحيى رحيم صفوي في 7 تشرين الأول من العام 2023، “إن الجانب الإيراني يدعم الهجمات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل، وسيقف إلى جانب المقاتلين الفلسطينيين حتى التحرير النهائي لفلسطين ومدينة القدس”، إلا أن مرشد الثورة الإسلامية الإمام خامنئي نفى في 10 تشرين الأول، ضلوع إيران بالعملية.
هددت إيران باستعمال “أذرعها” في المنطقة للردّ على قصف غزة، لكن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال في تصريحين متقاربين، الأول في 15 تشرين الأول الحالي بأن، “أوقفوا الحرب على غزّة أو سنضطرّ إلى اتخاذ إجراء”، وفي 17 منه، طالب بضرورة “اتخاذ أي إجراء استباقي خلال الساعات المقبلة محتمل والوقت ينفد لإيجاد حلول سياسية، قبل أن يصبح اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس حتمياً”.
في حين حذّر الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي من أن “هجوماً برياً” للجيش الإسرائيلي على غزة، “سيؤدي إلى حرب طويلة ومتعددة الجبهات”، قالت بعثة إيران في الأمم المتحدة لوكالة رويترز في 15 من الحالي، “إن إيران لن تتدخّل في الحرب على غزّة ما لم تتعرّض مصالحها أو مواطنيها للهجوم”. كذلك وفي سياق “التهدئة” واستدراج الدور “التفاوضي”، ما قاله في اليوم نفسه، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني من “إن حماس مستعدة لإطلاق سراح المختطفين في غزة، لكنها غير قادرة على القيام بذلك بسبب القصف الإسرائيلي”.
بناء على ما تقدّم، وبالعودة الى التجارب السابقة (2008 ـ 2009 ـ 2012 ـ 2014 ـ 2019 ـ 2021)، لم يستدعٍ أي عدوان إسرائيلي على غزّة، تدخّلاً مباشراً أو غير مباشر من إيران، أو من “أذرعها” في الإقليم.
كما يجدر التنويه بأن الولايات المتحدة كما الدول الغربيّة سارعت الى تبرئة إيران من الضلوع المباشر بعملية “طوفان الأقصى”.
وفي إطار اللعبة المزدوجة مع الحليفَين “اللدودَين” كما هو موثّق في كتاب تريتا بارزي، فقد تزامنت حرب غزة وردات الفعل الإيرانية والتصاريح المزدوجة “النارية – المبَرِّدة”، مع ما أوردته وكالة إرنا الإيرانية في 20 تشرين الأول من العام 2023 من أن “أمانة مجلس الأمن الدولي أعلنت عبر مذكرة الى الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، عن انتهاء العمل رسمياً بالبنود 3 و4 و6 المنضوية تحت الفصل (باء) من القرار 2231 الدولي، وبما يشمل إجراء الاختبارات الصاروخية والقيود المفروضة على صادرات واستيراد القطع الصاروخية لإيران، وأيضاً رفع الحظر المتعلق باحتجاز الأصول وتقديم الخدمات المالية الى الأشخاص والمؤسسات الإيرانية الخاضعة للحظر بناء على قرار مجلس الامن”.
ونختم كما بدأنا من كتاب “حلف المصالح المشتركة”، لنقرأ في الصفحة 141 ما يلي: “بدا وضحاً بشكل متزايد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية”، ويشرح خبير في قضايا السياسة الخارجية الإيرانية يقيم بطهران المسألة فيقول: “لعبت المعارضة الإيديولوجية لإسرائيل دوراً لصالح هذا النظام قبل انتصار الثورة. وبعد أن تولّى الثوريون السلطة، تصرفوا بناء على مبادئ مختلفة. إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للحكومة الثورية كانت “المعارضة الخطابية لإسرائيل، والتعاون العملي… مع الدولة اليهودية”.