يوماً بعد يوم، تتصاعد الصرخة من مختلف القطاعات الإنتاجية والاقتصادية والتجارية، نتيجة انعكاسات توريط لبنان في الحرب الدائرة في غزة، وما تحمله الأخبار من توسّع الحرب عند الحدود الجنوبية وإغراق لبنان في هذه الجهنم. ربما يكون القطاع السياحي أحد أبرز القطاعات التي تلقت مباشرة نتائج توتير الحدود الجنوبية، حتى من دون اندلاع حرب كبرى تضرب لبنان بأسره. فخسائر القطاع السياحي الكارثية باتت محققة منذ اليوم، والخوف من أن تكون أي حرب شاملة بمثابة قضاء نهائي على الكثير من المؤسسات العاملة في القطاع السياحي والتي لن تقوم لها قائمة بعدها.
رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر، يلفت، إلى أنه “بعد موسم الصيف الفائت، حيث برهن القطاع الخاص، وتحديداً القطاع السياحي قدرته، وعمل المستحيل من أجل البدء بإعادة لبنان على الخريطة السياحية الإقليمية والدولية، يتعرّض اليوم في ظل التوترات والأحداث الحاصلة والخوف من اندلاع حرب أوسع، إلى ضربة قاسية”.
الأشقر، يوضح، في حديث، إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “بطبيعة الحال لا يزال هناك وضع سياسي معين مقاطع لمجيء الخليجيين إلى لبنان للأسباب المعروفة، إنما حصل نموّ لافت بقدوم السياح من دول الغرب عامة إلى لبنان خلال الصيف الفائت”.
يضيف: “صحيح أن هذا النموّ المسجّل بسيط، لكنه نموّ. ففي النهاية، بظل الأوضاع المعروفة وصورة لبنان في الخارج والأزمات القائمة، أكانت أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، وانسداد الأفق السياسي وعدم انتظام عمل مؤسسات الدولة، فضلاً عن وجود حوالى مليوني نازح سوري، وغيرها، كل هذه المشاكل تجعل صورة لبنان غير إيجابية في الخارج. لكن مع كل ذلك، استطعنا تحسين الوضع وإعادة لبنان على الخريطة السياحية”.
يتابع: “برهنّا ما كنا نقوله عن أن السياحة هي القاطرة الأساسية للاقتصاد في لبنان. من دون أن ننسى أن نحو 75% من الذين قدموا إلى لبنان لقضاء فصل الصيف في ربوعه، هم من المغتربين اللبنانيين الذين يلبّون نداءاتنا المتكررة لهم منذ سنوات، وأثبتوا التزامهم بوطنهم على الرغم من كل الظروف الصعبة”.
الأشقر ينوّه، إلى أن “فوائد الحركة السياحية النشطة في الصيف عمّت كل المناطق اللبنانية. فالمناطق النائية التي كانت مجهولة بالنسبة لمعظم اللبنانيين والمغتربين والتي تمتلك مواصفات جمالية وبيئية ومجتمعية مميزة غير مكتشفة، شهدت ازدهاراً سياحياً لافتاً خلال موسم الصيف الفائت. بالتالي، نجحنا مع الجمعيات المختلفة في مختلف المناطق من جعل كل لبنان على الخريطة السياحية، ولم يعد الأمر مقتصراً على مناطق سياحية معروفة منذ 50 أو 70 عاماً فقط”.
على سبيل المثال، يقول الأشقر إن “الضنية وجبال عكار موجودة على الخريطة السياحية، ورأس بعلبك كذلك، وصور ودوما وجزين وسائر المناطق الجبلية التي كانت شبه مجهولة بالنسبة للغالبية. كل هذه المناطق باتت على الخريطة السياحية من خلال المؤسسات والجمعيات الأهلية بالتعاون مع النقابات السياحية التي قامت بالتسويق لمختلف المناطق اللبنانية”.
الأشقر يعرب عن أسفه الشديد، لأن “القطاع السياحي بات شبه معدوم، في ظل الوضع المستجد والمخاوف من تمدد الحرب الدائرة في المنطقة إلى لبنان بشكل أوسع. الوضع في أسوأ حالاته، وعلى سبيل المثال هناك فنادق في بيروت لديها (صفر إشغال)، وأهم فندق لا تتخطى نسبة إشغال الغرف لديه الـ10%، بناءً على المعلومات والوقائع المؤكدة التي قمنا بجمعها من مختلف المؤسسات الفندقية، سواء في بيروت أو خارجها في مختلف المناطق اللبنانية”.
في السياق ذاته، ينفي الأشقر “ما يحكى عن حركة نشطة في القطاع السياحي خصوصاً الفندفي، وعن قدوم نازحين هرباً من مناطق الإشتباكات في الجنوب ملأوا الفنادق والأوتيلات في جبل لبنان”، مؤكداً أن “هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق”، ومضيفاً أنه “ربما شهد عدد من الشقق السكنية نسبة إشغال معينة، لكن بالنسبة للفنادق هي خالية بغالبيتها الساحقة، وهذا الوضع السيء ينسحب على مختلف المؤسسات والمنتجعات السياحية والمطاعم”.
الأشقر يشير، إلى أن “الحرب في المنطقة والاشتباكات على الحدود الجنوبية مندلعة منذ 3 أسابيع تقريباً”، مؤكداً أنه “يكفي أن تستمر لنحو 3 أسابيع أخرى من أجل أن يخسر القطاع السياحي كل ما حققناه من أرباح خلال موسم الصيف الفائت، والتي هي بالفعل مجرد تعويض عن جزء بسيط من خسائرنا خلال السنوات الماضية، إذ لا يجب أن ننسى أننا مررنا بثورة وجائحة كوفيد وأزمات سياسية وشلل البلد، وغيرها من الأزمات. وكارثة انفجار مرفأ بيروت لوحدها وضعت حوالى 2500 غرفة فندقية خارج الإستعمال”.
كما يؤكد، أن “كل الأرباح التي حققناها خلال الصيف، لا تعوّض أكثر من 20% من خسائر القطاع السياحي خلال السنوات الماضية، وكنّا نعوّل على أن تساعدنا للصمود والاستمرار. أما إن استمرت الحرب وتوسّعت على كل لبنان، فكل ما حققناه لمجرد الاستمرار سيصبح في خبر كان خلال نحو 3 أسابيع لا أكثر”.
يشير أيضاً، إلى أننا “كنا نأمل أن نتمكن خلال موسم الخريف من تأمين المصاريف على الأقل أو أن تكون الخسائر قليلة وربما نعوّض خلال فترة الأعياد، لكن تبقى الاستمرارية، إنما الوضع اليوم كارثي. علماً أن أكبر عبء يبقى تأمين الطاقة الكهربائية، فصناعة السياحة والخدمات الفندقية ربما تكون من بين القطاعات القليلة التي لا يمكنها الاستغناء عن الطاقة طوال 365 يوماً في السنة 24/24، فضلاً عن مشكلة المياه حيث أقل فندق بحاجة إلى نحو 200 متر مكعب من المياه في اليوم ولا تتوفر إلا من خلال الصهاريج بكلفة باهظة”.
الأشقر يعرب عن أسفه، لأن “ما من مسؤول نناشده لمنع إدخال لبنان في الحرب الدائرة في المنطقة وتجنيبه هذه الكأس المرّة المدمّرة، ليس فقط على القطاع السياحي بل على كل القطاعات وعلى لبنان بأسره”، لافتاً إلى “أن الحجوزات والمؤتمرات والمعارض التي كان يزمع عقدها في لبنان تم إلغاؤها”، ومتخوفاً من أن “ضياع موسم الخريف وموسم الأعياد، انطلاقاً ممّا يبشّرنا به البعض بأن مسألة الحرب طويلة، يعني أن العملية ستلقي بانعكاستها وتمتد إلى موسم الصيف المقبل، وأن العديد من المؤسسات السياحية لن يعود بإمكانها النهوض والإقلاع من جديد، ويعني صرف مئات العائلات التي كانت تعتاش من القطاع السياحي والقطاعات المستفيدة من الحركة السياحية للأسف”.
كما يشدد، على أن “العودة إلى الوجود على الخريطة السياحية وتسويق البلد واستعادة ثقة السياح للقدوم إلى لبنان وسط كل هذه المخاطر، مهمة ستكون في غاية الصعوبة، وربما لن نكون فقط في وضعية خسارة موسمَي الخريف والشتاء، بل الخوف الأكبر من خسارة موسم الصيف المقبل أيضاً”.