“… الحقيقة أننا كنا نخاف على الجيش من خلال نشره على الحدود الدولية، لأن المسألة واضحة: أن تضع جيشاً نظامياً على الحدود الدولية مباشرة في مواجهة عدو قد يعتدي في أي لحظة من اللحظات، هو بمثابة وضع هذا الجيش في فم التنين، أو كما يقولون عندنا بالعامية في بوز المدفع”، الأمين العام للحزب حسن نصرالله – 9 آب 2006.
هنا يبرّر نصرالله رفضه السابق والمطلق لانتشار الجيش في الجنوب وعلى الحدود، ويعلن قبوله “مرغماً” كحصيلة لانتصاره الإلهي في حرب تموز، ليكمل ويقول “نحن في السابق كنا نعترض أو لا نوافق على نشر الجيش على الحدود، ليس شكاً في الجيش لا سمح الله، لأن هذا الجيش هو جيش وطني، ومنذ سنوات طويلة نحن نمتدحه ونمتدح عقيدته وقيادته وتركيبته…
انتشار الجيش يساعد على إيجاد مخرج سياسي يؤدي إلى وقف العدوان، وهذا بالنسبة لنا وفي رأينا هو مخرج وطني مشرّف، لأن الذي سينتشر على الحدود هو الجيش الوطني وليست قوات غازية ولا قوات مرتزقة ولا قوات تعمل بإمرة الأعداء، وإنما الجيش الوطني الذي يعمل بإمرة الحكومة اللبنانية المنتخبة، بهذا المعنى، كمخرج، نحن نقبل به على الرغم من محاذيره التي ذكرتها قبل قليل”.
رفض انتشار الجيش في الجنوب كان قد عبّر عنه نصرالله بشكل واضح وفاضح في ذكرى اغتيال السيد عباس الموسوي، من بلدة النبي شيت، في 16 شباط من العام 2002، إذ اعتبر أن “إرسال الجيش اللبناني الى الجنوبى، مطلباً أميركياً”، مشيراً الى أن “من يريد أن يحمي لبنان عليه أن يحفظ المقاومة في الجنوب، ومن يريد ان يضحي بهذا الجيش فليرسله إلى الجنوب”.
وأمام الرفض الممانع القاطع الحالي لإرسال الجيش اللبناني الى الجنوب، عملاً بالقرار 1701، والذي سبق لنصرالله وحزبه ان قَبِلا به كـ”مخرج وطني مشرف سياسي لوقف العدوان”، من الضروري دراسة أسلوب وأداء الحزب في تكتيكاته العسكرية الاستراتيجية، وذلك من خلال استنتاجين، الأول لأمين عام الحزب والثاني لنائبه، وعلى لسانهما، لنبني عليهما ضرورة وإلحاح انتشار الجيش اللبناني مكان “مسلحي الحزب” في الجنوب:
ففي 15 تشرين الثاني من العام 2016، قال نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم: “أصبح لدى الحزب جيش مدرب وأكثر تسليحاً، ولم يعد يعتمد على أسلوب حرب العصابات”، ليؤكد الأمين العام للحزب في 19 آب من العام ذاته، على تحوّل الحزب الى اعتماد “الحرب الكلاسيكية” التي تعتمدها الجيوش في القتال وذلك بقوله: “اكتسبنا خبرات كبيرة بسبب الحرب السورية، ليست الخبرة الدفاعية أو القتال الدفاعي، واستفدنا من الكثير من الخبرات الهجومية… عندما نقاتل في سوريا كتشكيل كبير متنوع الأسلحة، ونشارك في أعمال قتالية كبيرة وواسعة، ونخرج المسلحين من مساحات جغرافية واسعة، يعني ان الحزب يكتسب خبرة هجومية مباشرة وليس من خلال حرب العصابات، ويخرج من هذه المعركة قوة عسكرية حقيقية، قوة تحرير ميدانية، ليست في حرب عصابات، بل هي حرب أشبه بالحرب الكلاسيكية”.
نصل الى ما يجري حالياً في الجنوب وعلى الحدود، فمدلولات الخسائر الباهظة بالأرواح التي يتكبّدها الحزب منذ 7 تشرين الأول من العام 2023 في معارك “احترام قواعد الاشتباك”، تبيّن للمراقبين أن الحزب يعتمد انتشاراً “تقليدياً” على الحدود، ويخوض حرباً “كلاسيكية” مكلفة، وكأنه وضع نفسه في “فم التنين” وفي “بوز المدفع” وهذا ما حذّر منه نصرالله آنفاً.
وفي المفاضلة أخيراً، يبقى الجيش الشرعي الأصيل محط إجماع سياسي، شعبي، محلي، ودولي، ويبقى انتشاره لبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، تنفيذاً للدستور والقرارات الدولية، ضمانة للأمن والاستقرار ولتجنب الوقوع في “فم التنين”، وإذ حضر الأصيل انسحب البديل.