تصحّ مقولة ألا تباعد ولا عداوات دائمة في السياسة، خصوصاً متى كانت العلاقة السياسية بين طرفين قائمة من الأساس على المصالح السياسية والشخصية المتبادلة، لا على مبادئ وقواعد وقيم سياسية نبيلة. وأكثر ما تصحّ هذه المقولة على النائب جبران باسيل وعلاقته مع (الحزب)، والتي تشهد انتعاشاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة انطلاقاً من خلفية مصلحية نفعية. وتبادل الخدمات يتركّز على الداخل انطلاقاً من محدودية تأثير (الحزب) في الحرب الدائرة في المنطقة بأوامر إيرانية من جهة، ومعدومية أي دور لباسيل على هذا الصعيد من جهة أخرى. علماً أن الهمّ الأساس لباسيل في هذه المرحلة، يتمثل بقطع الطريق على التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون لخفض حظوظه الرئاسية كما يعتقد.
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي، يرى أنه “لعلّ (الحزب) بعد خطاب أمينه العام حسن نصرالله، الجمعة الماضي، وانخفاض سقفه الاستراتيجي، بات يحتاج إلى تسجيل نقاط في الداخل اللبناني طالما أن الانتصار بالضربة القاضية، كما قال، مستبعد وغير موضوع على الأجندة الإيرانية. لذلك تستدير قيادة (الحزب) الآن نحو الداخل طالما أن لعبة الجنوب مضبوطة بشكل مدروس تحت الأمر الإيراني”.
الزغبي يشير في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الدليل الأخير يثبت هذه الحقيقة، إذ أن (الحزب) لم يبادر إلى تنفيذ معادلته الجديدة (المدني بالمدني)، ولم يقصف حتى الآن أي تجمّع مدني إسرائيلي بشكل جدّي، ربما لعجزه عن تعيين الهدف بعدما أفرغت إسرائيل المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية إلى الملاجئ أو إلى مناطق النزوح الداخلية”
يضيف: “من هنا، يلاحظ في الأيام الأخيرة أن (الحزب) يرتدّ نحو الداخل في محاولة لترميم وضعه السياسي، من خلال إعادة وصل ما انقطع مع بعض حلفائه، وتحديداً التيار العوني. ويستغل (الحزب) في هذا المجال حاجة رئاسة هذا التيار، أي النائب جبران باسيل، إلى ورقة سياسية ضمن مصالحه الضيقة، وهي عدم التمديد لقائد الجيش جوزيف عون”.
الزغبي يوضح، أن “الحزب يبيع باسيل هذه الورقة ويشتري منه العودة إلى بيت الطاعة، على قاعدة البند العاشر من ورقة التفاهم بين الطرفين، أي تكريس سلاح الحزب، بل تقديس هذا السلاح كما ورد في نص البند العاشر من ورقة التفاهم”.
يتابع: “إذا المسألة الآن باتت في إطار تبادل المصالح الداخلية بين الحزب والتيار العوني، إلى درجة أن الحزب نجح ولو بصورة غير مباشرة في مصالحة “العدوّين” باسيل والوزير السابق سليمان فرنجية، ووضعهما معاً في سلته السياسية الداخلية لتغطية سلاحه وأجندته المحلية، طالما أن لا شأن لهما ولا قدرة على تغطيته أو دعمه في الأجندة الخارجية التي باتت ضيقة ومحصورة ضمن المصالح الإيرانية الكبرى، بعدما اتضح أن طهران تساوم وتفاوض حول بعض الأثمان التي تريد لقاء انكفائها، كما تحاول الترويج والتسويق، عن دخول الحرب”.
الزغبي ينوّه، إلى أنه “لعلّ بعض هذه الأثمان التي تريدها إيران والحزب هي في الداخل اللبناني، وبعض معالم هذه المحاولة بدأت بالظهور في لبنان، من خلال هذه المساومة وهذا الابتزاز المتبادل ما بين طرفي ورقة التفاهم، أي بين حارة حريك وميرنا الشالوحي، (الحزب وباسيل)”.
“هذا الاتجاه مرشح للتمدد أكثر”، وفق الزغبي، “طالما أن هناك عجزاً لدى الحزب عن تحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في مواجهة إسرائيل، فلا بد له من محاولة التعويض بتحقيق بعض النقاط في الداخل اللبناني، وصولاً إلى موقع رئاسة الجمهورية. فالحزب يحاول الآن ويسعى إلى بيع عدم التمديد لقائد الجيش جوزيف عون إلى شريكه باسيل وكسبه إلى جانبه في ملف الرئاسة، لقاء أن يوافق باسيل لاحقاً على مرشح الحزب الثابت والوحيد فرنجية”.