يواصل النائب جبران باسيل حملته على قائد الجيش العماد جوزاف عون ويستميت في منع التمديد له سنة واحدة، على الرغم من الظروف الاستثنائية الخطيرة المعروفة التي يعيشها لبنان، بظل الحرب المشتعلة في المنطقة والإشتباكات المتوسعة على الحدود الجنوبية. وفي حين تسعى المعارضة بكل الوسائل الدستورية والقانونية المتاحة، لإبعاد شبح الفراغ القاتل عن قيادة الجيش، يصرّ باسيل على استهداف قائد الجيش والنيل من هيبة المؤسسة العسكرية، غير آبه بالخطر الداهم عليها في هذه اللحظة المفصلية بامتياز التي تهدد مصير لبنان.
طرق المناورة تضيق أمام باسيل. فبعدما تقدَّم تكتل الجمهورية القوية باقتراح قانون استثنائي بالتمديد سنة واحدة لقائد الجيش، وفقاً لمبدأ المصلحة الوطنية العليا (Raison d’État)، تأتي زيارة وفد من المعارضة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لمطالبته باتخاذ قرار سريع في الحكومة لتأجيل تسريح قائد الجيش لمدة سنة، حفاظاً على هيبة الجيش والمؤسسة العسكرية، إذا كان وزير الدفاع غير مستعد وتلكأ عن القيام بهذا الواجب، وذلك في سياق اعتماد كل السبل الدستورية والقانونية لمحاصرة باسيل وإفشال مخططاته ومنعه من إدخال الجيش والبلاد في مجهول ـ معلوم لا تُحمد عقباه.
المحلل السياسي أسعد بشارة، يرى في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الأزمة التي تهدد قيادة الجيش، هي مثال جديد وحلقة أخرى في مسلسل القضاء على كل مقومات الدولة لصالح الأنانيات والمصالح الشخصية. كما لا تنفصل أيضاً عن كونها محاولة من (الحزب) للسيطرة على كل مفاصل الدولة بما فيها قيادة الجيش، وتطويعها إلى درجة تحويلها إلى مجرد أدوات تابعة له تنفذ بطريقة عمياء”.
بشارة يلفت إلى أنه “منذ ما قبل سنة وأكثر من انتهاء ولاية قائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون، في 10 كانون الثاني المقبل، ولبنان يعيش على واقع الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي والنيابي. وفي هذا الوقت الذي تمرّ به المنطقة بأخطر مرحلة في تاريخها بما تنتجه من انعكاسات سلبية ومدمّرة على لبنان، تفتَّق ذهن باسيل عن فكرة محاصصة يريد من خلالها السيطرة على موقع قيادة الجيش وبعض المواقع الأخرى، وقام بعرض صفقة على رئيسَي الحكومة ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري، وطبعاً بحثها مع (الحزب)”.
يضيف: “باسيل نفَّذ عرضه هذا وأعطاه غطاءً من خلال الزيارات التي قام بها منذ فترة تحت عنوان (غزّة والمخاطر)، لكن في الحقيقة كان الهدف واحد، الإطاحة بقائد الجيش ومنع التمديد له، وتعيين قائد جديد مطواع للجيش يؤمِّن السيطرة عليه، والذي يُخشى بالتالي إذا ما حصل هذا الأمر أن يتحوّل الجيش إلى مؤسسة كباقي المؤسسات التي عاثت فيها المحاصصة فساداً. وهذا يشكل خطراً كبيراً لأن الجيش هو المؤسسة شبه الوحيدة التي لا تزال تضمن الاستقرار”.
بشارة يكشف لموقع “القوات”، عن أن “باسيل تفاهم مع (الحزب) على تعيين قائد جديد للجيش، وحاول جسّ نبض الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإرضائه بتعيين رئيس أركان قريب منه، ولبري تعيين عضو في المجلس العسكري قريب منه، على أن يأخذ هو العضو الأورثوذكسي، بحيث تكتمل التعيينات في قيادة الجيش والمجلس العسكري. بالإضافة إلى مغازلة باسيل لبري وميقاتي بموجب هذه الصفقة، بأن وزراءه سيعودون إلى اجتماعات الحكومة، وأنه سيتوقف عن مقاطعة أعمال الجلسات التشريعية في مجلس النواب”.
“كل ذلك لأن باسيل يريد أن يكبّل، مسبقاً، أي رئيس جمهورية يمكن أن يُنتخب في لحظة ما، بتعيين قائد للجيش يكون مطواعاً بين يديه ويسمح له بالتدخل في المؤسسة العسكرية”، وفق بشارة، الذي يشير كذلك إلى “معلومات تحدثت عن أن باسيل أراد أيضاً تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، من ضمن هذه الصفقة الكبيرة التي حظيت برضى (الحزب)، باعتبار أنه يريد أيضاً تعيين قائد للجيش يختلف أداؤه عن قائد الجيش الحالي ويكون متساهلاً أكثر ويؤمِّن عبره ضمانة للمرحلة المقبلة”.
بشارة ينوّه، إلى أنه “بدخول بكركي على الخط التي خشيت من أن تكون هذه التعيينات في غياب رئيس للجمهورية هي دقّ للمسمار الأخير في موقع الرئاسة، وهي محاولة السيطرة على الجيش، وبالمواجهة التي تقوم بها المعارضة، تمّت فرملة هذه المحاولة التي كان واجهتها جبران باسيل لكن كان خلفها (الحزب) وباقي أركان السلطة”، لافتاً إلى أن “هذه الصفقة فيما لو نجحت، كانت ستكون وجبة محاصصة جديدة بين المنظومة الحاكمة، التي يطيب لباسيل بعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا أن يصنِّفها بالمنظومة لكنه جزء أصيل منها”.
بشارة يعتبر، أن “هذه المحاولة تمتّ فرملتها الآن، لكن محاولات عرقلة التمديد للعماد جوزاف عون لن تتوقف”، مشدداً على أن “نواب المعارضة قاموا بواجبهم في هذه القضية الخطيرة والدقيقة والحساسة. ففي ظل المعارضة لأي تعيينات بغياب رئيس جمهورية في بعبدا، وبظل الفراغ الذي قد يحصل في المؤسسة العسكرية، فإن الدعوة هي التمديد لقائد الجيش من أجل الاستمرار في مهمته بحفظ الاستقرار، بعيداً عمّا يضمره ميشال عون وجبران باسيل من حقد وكراهية على قائد الجيش لأنه لم يسمح طوال العهد الرئاسي السابق بالتلاعب بالمؤسسة العسكرية من خلال التعيينات والمحاصصة”.
بالتالي، يضيف بشارة: “يريدون أن ينهي قائد الجيش الحالي ولايته وأن يخرج من السباق الرئاسي، بمعنى أن الهدف مزدوج”، معتبراً أننا “إزاء مدرسة غاية في الأنانية ولا تأبه لأي مصلحة عامة، إنما تتطلع دائماً إلى مصالحها الخاصة ولو على جثة لبنان”.