صحيفة نداء الوطن- راكيل عتيّق
الإنتخابات الرئاسية التي حدّد الدستور آليتها بوضوح تتطلّب حواراً قبل إنجازها بالنسبة إلى «حزب الله». حتى ملف النزوح السوري يستدعي حواراً ومقاربة وطنية واحدة بحسب الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله. أمّا قرار الحرب والسلم وتحديد مصير لبنان واللبنانيين فلا يحتاجان إلى أي حوار مع القوى السياسية الأخرى أو الأخذ بـ»رأي» الحكومة ومجلس النواب أو الامتثال لإرادة الشعب اللبناني. هذا القرار يتخذه «الحزب» فقط، وقرّر نصرالله هذه المرة ربطه بـ»كلمة الميدان» والتطورات في غزة.
الحرب المحدودة جنوباً فعلت فعلها السلبي على البلد على رغم أنّها لم تطاول كلّ لبنان. كثيرون نزحوا داخلياً من الجنوب إلى مناطق أخرى، سياح ولبنانيون غادروا البلد، مغتربون وأجانب ألغوا حجوزات السفر إلى بيروت، القطاع السياحي تلقى ضربة قوية على أبواب الأعياد، اللبنانيون قلقون، ضغط إضافي على الجيش، الدولة بوزاراتها وإداراتها اضطرت إلى «الشحادة» من المنظمات الدولية لتمويل خطة طوارئ، رسائل خارجية تحذيرية أو نصائح لعدم التورّط في الحرب، أحزاب وجمعيات «تنشغل» بالتحضير لاحتمال الحرب، وهذا الإحتمال سيبقى قائماً طالما أنّ الحرب في قطاع غزة مستمرّة وطالما أنّ المناوشات الحدودية بين إسرائيل و»حزب الله» آخذة بالتوسُّع، وطالما لا قرار رسمي بسحب جميع المسلّحين من الجنوب والإبقاء على الجيش اللبناني فقط.
وعلى رغم تداعيات القرار الذي اتخذه نصرالله بفتح الجبهة الجنوبية ضدّ إسرائيل «مساندةً» للفلسطينيين، لاعتبارات عدة تتخطّى الحدود اللبنانية، وإعلان نصرالله أنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة وواردة، يعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أنّ «حزب الله يتصرّف بوطنية عالية»، مطمئناً الى»عقلانية الحزب». لكن يبدو أنّ ميقاتي وحده مطمئن، على عكس غالبية اللبنانيين.
رئيس حكومة تصريف الأعمال يحاول أن يمسك العصا من منتصفها، بحسب مصادر سياسية معارضة، لكن موقفه مرفوض وهو «منطق عشائري»، ففي أي دولة لا يُتكل على «حكمة» رئيسها حتى، والضمانة الوحيدة لأي شعب هي الدولة والمؤسسات والدستور والقانون، والضمانة الوحيدة التي ينشدها اللبنانيون هي الشرعية، فلو كان اللبنانيون يتكلون على «عقلانية» أو «حكمة» أي شخص أو جهة، لما نزحوا من الجنوب أو غادروا البلد أو أجّلوا زياراتهم للبنان.
هذا إضافةً إلى أنّ نصرالله يتخذ قراراته ليس بـ»عقلانية» انطلاقاً من «طمأنة» اللبنانيين أو إرادتهم، بحسب مصادر معارضة، وهو لم يُشِر إليها في أي من إطلالتيه أخيراً، بل ما يجعله يفرمل أي قرار بخوض مغامرة عسكرية كالتي نفذها عام 2006، أنّه يعرف تبعاتها ونتائجها، ويعلم انطلاقاً من موازين القوى والتدخل الأميركي والمواقف الدولية كلّها، أنّ أي مغامرة من هذا النوع ستؤدّي إلى تدمير لبنان و»الحزب» كما تُدمّر غزة وحركة «حماس».
إنطلاقاً من ذلك، ترفض المعارضة وصف طلبها تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش في منطقة عمل القوات الدولية ودعوة بقية المسلّحين إلى الانسحاب من هذه المنطقة، موقفاً «طوباوياً» غير واقعي. كذلك ترفض منطق مهادنة «الحزب» أو مسايرته انطلاقاً من عدم توريطه البلد في حرب واسعة. بل تعتبر أنّ هذه مواقف مبدئية غير قابلة للمراجعة، وهي بعكس ما يُسوّق البعض، تثبت أنّها حقيقة، والواقع اللبناني الآن في ظلّ الحرب في غزة وما يحصل جنوباً يثبت ذلك. وبالتالي، تؤكد المعارضة أن لا تراجع عن المواقف المبدئية والثوابت تحت أي أمر واقع.
عدم تراجع المعارضة أو تنازلها يسري على الملف الرئاسي أيضاً. وإذ يعتبر البعض أنّ «حزب الله» سيخرج «منتصراً» ما بعد حرب غزة، أو يعتبر نفسه منتصراً، إذا تمكّن في الوقت نفسه من «مؤازرة» حركة «حماس» وعدم توريط البلد في حرب تؤدّي إلى تدميره، فيقطف ثمار هذا القرار داخلياً، بـ»مكافأة» من الخارج وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى منع توسيع الحرب، تؤكد المعارضة أنّها متمسّكة بموقفها الرئاسي أكثر من المرحلة السابقة، فلو كان هناك رئيس للجمهورية قريب من «حزب الله» لكانت مواقفه ممّا يحصل الآن مُلوّنة أو داعمة للواقع غير الشرعي، فيما الواقع يتطلّب رئيساً للدولة يقول بوضوح وحزم إنّه مع الدستور والشرعية اللبنانية والقرارات الدولية وضد توريط لبنان وضد السلاح غير الشرعي. وبالتالي، إنّ المعارضة لن تتراجع ولن تبدّل موقفها رئاسياً مهما كانت نتيجة الحرب.
كذلك تعتبر جهات معارضة، أنّه بعد الخطر الذي شكّله الدور الإيراني في المنطقة على المجتمع الدولي، لن يتساهل الخارج مع «الحزب» في الداخل اللبناني، وفي حال كان هناك «غض نظر» دولي أو أميركي على المستوى الرئاسي قبل 7 أكتوبر 2023، فهذا سيتغيّر بعد الحرب القائمة، ولن يكون الخارج أو واشنطن في وارد تسليم رئاسة الجمهورية اللبنانية لإيران.