في خطابين فصلت بينهما أيام معدودة، بدى الارتباك واضحاً على الأمين العام لـ”الحزب” حسن نصرالله في المواقف التي أعلنها من الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل و”حماس” وعلى الحدود الجنوبية اللبنانية، وذلك بالنسبة لأي مراقب محايد، بل حتى في ردات الفعل لدى جمهور “الحزب” اللصيق والتي عكستها الاستطلاعات وتعليقاته على مواقع التواصل حول الحرب. فالملاحظ أن خطابي نصرالله فشلا في طمأنة بيئة “الحزب”، بل ربما زادا في الطين بلّة، وضاعفا حالة القلق والإحباط والبلبلة والضياع في صفوفها.
الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي، يفسّر ما يحصل بأن “قيادة “الحزب”، وتحديداً الأمين العام حسن نصرالله، يجد نفسه عالقاً وحائراً بين ضغوط ثلاثة: الأول، “وعوده السابقة” القديمة بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت وأن صواريخه الدقيقة قادرة على الوصول إلى أعمق أعماقها، تحت شعار إزالة إسرائيل من الوجود. والثاني، هو بيئته التي سقط منها حتى الآن أكثر من 80 قتيلاً، بالإضافة إلى النزوح الواسع من القرى الحدودية الجنوبية وتوقف النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وسقوط فكرة الازدهار والاستقرار على الخط الأزرق بفضل قوة الردع لـ”الحزب”.
أما الضغط الثالث الذي يتعرض له نصرالله، فيلفت الزغبي في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أنه “يأتي من مرجعيته الإيرانية التي لم تحسم خيارها وقرارها بعد في مسألة الانخراط الواسع في الحرب ضد إسرائيل، إنما تنغمس هذه المرجعية في الواقع في مفاوضات، بل عملياً في مساومات مع الجانب الأميركي عبر الوسطاء كي تقبض أثماناً ما من عدم دخولها في الحرب. لذلك هي تكتفي ببعض الرسائل النارية الهوائية، تارة من اليمن وتارة ثانية من العراق ودائماً من جنوب لبنان”.
الزغبي يوضح، أن “هذا الوضع الذي يعانيه “الحزب” تحت تأثير هذه الضغوط الثلاثة، تجعل قراره أسيراً للتطورات. وفي الواقع، ها هي غزة تنهار عسكرياً وجغرافياً، كما تتمدد إسرائيل ببطء من شمال غزة إلى جنوبها، بينما يلتزم “الحزب” بشعاره التاريخي “نردّ في المكان والزمان المناسبين”، ولا يستطيع حتى الآن تحريك أي ضغط عسكري فعلي واستخدام الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى نظراً للارتباك الأصلي لدى مرجعيته في طهران”.
لذلك، يرى الزغبي أنه “يمكن توقُّع استمرار هذه الوضعية الجنوبية الحدودية أياماً أخرى، بينما العالم يمنح إسرائيل مهلة أسبوعين لهضم ما تقوم به من القضم والذهاب بعد ذلك نحو التسويات الأوسع. لأن في تقدير العالم والمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، وجوب أن تنتهي هذه الحرب بتسوية سياسية بدأت معالمها الأولى تتَّضح من خلال حذف تأثير “حماس” على المجرى السياسي، مقابل خفض تفرُّد إسرائيل برفض الحلول السياسية كما كانت ترفض دائماً حلّ الدولتين”.
“كذلك الأمر بالنسبة لإيران ومعها “حماس” و”الحزب” وسائر الأذرع”، يضيف الزغبي، الذين كانوا يرفضون حلّ الدولتين والمؤتمر الدولي للسلام، وأن تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فإذ بالقمة العربية ـ الإسلامية الأخيرة في الرياض تعيد وضع الأمور السياسية الأساسية في نصابها الصحيح. بمعنى أنها أسَّست للتصور المستقبلي للحل السياسي وتسوية القضية الفلسطينية على هذا الأساس، أي وفق بيان القمة الذي تضمَّن الخطوات الثلاث خصوصاً مسألة أن منظمة التحرير هي السلطة الشرعية الوحيدة”.
لذلك، ينوّه الزغبي إلى أن “الحزب يزداد ارتباكه الميداني والسياسي على مستوى القرار، وهذه الوضعية مرشحة للاستمرار بضعة أيام أخرى قبل أن تتبلور اتجاهات الحرب الفعلية في غزة”.