كتب المحامي فادي مسلم في “المسيرة” ـ العدد 1746
طالت آثاره كل المجتمع وأرهقت القطاعات
النزوح: أزمات اقتصادية وأمنية وديموغرافية تستعجل الحل
منذ إثني عشر عامًا ولبنان لا يزال يتعرّض للارتدادات الناجمة عن الصراع المتواصل في سوريا، إذ نتجت عنها أسوأ موجة نزوح ولجوء واجتياح في التاريخ الحديث.
طوفان من السوريين عبروا الحدود المفتوحة واستقروا بحريّة في جميع أنحاء البلاد وغالبيتهم لا تنطبق عليهم صفة النازح نتيجة الوضع الأمني. وبالتالي لم يكن موضوع نزوح معظم السوريين إلى لبنان تحديداً أمراً مرتبطاً بويلات الحرب، ولذلك يقتضي التمييز بين النازح من الحرب وتداعياتها والمواطن السوري القادم إلى لبنان بهدف الإقامة والعمل.
يمكن تصنيف السوريين في لبنان على الشكل التالي:
ـ النازحون بين 2011 و2015. هذه الفئة هي من النازحين لأسباب إنسانية وأمنية بفعل اندلاع الحرب والاضطرابات الأمنيّة التي أجبرتهم على النزوح. هؤلاء جديرون بالحماية القانونية.
ـ الوافدون بعد العام 2015 الذين يعبرون الحدود ذهاباً وإياباً وقد دخلوا إلى الأراضي اللّبنانيّة خلسة ويعملون في كل القطاعات، ويتوزعون على الفئات التالية: هاربون من الخدمة العسكرية، وعمّال بناء وزراعة، إضافة الى الاجتياح البشري الذي حصل مؤخراً. كل هذه الفئات لا تتوافر فيهم شروط النزوح واللجوء، وقد دخلوا لبنان لأسباب اقتصادية، ويقيمون بصورة غير شرعية ويستفيدون من الفوضى العارمة على الحدود اللبنانية-السورية.
ـ ولا ننسى أن نسبة 99,99 في المئة من السوريين المقيمين في لبنان انتخبوا بشار الأسد ما ينفي وجود أي خطر أمني لعدم عودتهم بمن فيهم النازحون لأسباب أمنية.
تكشف الإحصاءات معلومات مخيفة عن تداعيات النزوح السوري التي يتحمّلها اللبنانيون. لكن هناك ما هو أخطر من الأرقام الإحصائية والمالية والتداعيات الاجتماعية والديموغرافية على البنية الداخلية اللبنانيّة، إذ امتدت مشكلة النازحين إلى كل شرائح المجتمع اللّبناني وأرهقت كل القطاعات. ويُنذر المستقبل بكوارث أكبر من الانفجار الديموغرافي الناجم عن عدد النازحين وعن عدد الولادات عندهم، عدا عن الخطر الوجودي.
بات لدينا أكثر من مليونين ونصف مليون نازح اقتصادي بداعي العمل، وقد انخرط عدد كبير منهم إن لم يكن جميعهم، في سوق العمل اللبناني بصورة مخالفة للقانون منافسين اللبنانيين في وظائف ومهارات منها: مهندسون مسّاحون حلاّقون سائقو شاحنات وباصات وموّزعون DELIVERY VALET PARKING وهو قطاع يؤمن أكثر من 300 ألف فرصة عمل.
وعدد آخر يقصدون سوريا ويعودون إلى لبنان ليستمروا بالحصول على المساعدات الدولية واللبنانية، هؤلاء أيضًا استولوا على المهن المتخصصة في لبنان بعد سيطرتهم على قطاع الزراعة والبناء والمطاعم والمهن الحرفية تمهيداً للاستيلاء على كامل قطاع العمل في لبنان ومن ثم الاستيلاء على لبنان، وبذلك يبدأ مشروع التوطين. فالقضيّة أصبحت أكثر من ملف أو مشكلة لتغدو قضية وطنيّة وجودية، إنها مشكلة نزوح جزء من وطن الى لبنان، ما يثير العديد من الهواجس التي تقض مضاجع اللبنانيين، ومنها:
– ماذا لو استمرت الأزمة خمس سنوات أخرى؟ فهذه الأزمة نهايتها غير معروفة وهذا الوضع ليس مؤقتاً على ما يبدو.
ـ لماذا يتعلّم السوريون تاريخ وجغرافية لبنان وفق المناهج اللبنانيّة؟
ـ هل هم باقون؟
ـ وهل من مشروع توطين لا أحد يعلم به؟
ـ ماذا لو تسلّم 100 ألف شاب سوري من أصل مليونين ونصف مليون نازح السلاح وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد؟
في هذا الإطار، تُلفت مصادر أمنيّة متابعة إلى أنّ المخيمات البالغ عددها أكثر من 6000 مخيّم عشوائي مليئة بخلايا عسكرية نائمة، موضحة أنّ أعمار الشباب تطغى على واقع مخيّمات النازحين (وغالبيتهم خضعوا للتجنيد الإلزامي) الأمر الذي يدعو إلى التساؤل والتخوّف: ماذا سيحل بنا عند أول اضطراب أمني أو فوضى أمنية يفتعلها من يتربص شراً لزعزعة الكيان اللبناني؟
إزاء هذا الواقع المرير والمخيف، وأمام الكارثة الكبرى التي تلوح في الأفق، تعاطت الحكومة اللبنانية مع هذه القضية على قاعدة اللامبالاة، وليس على أساس أنها قضية تهدّد وجود لبنان في الصميم، بدءًا من الإخلال بالتركيبة اللبنانية وخوف اللبنانيين على هويتهم جرّاء التغييرات الديموغرافية والثقافية التي تحدث ببطء، ومن شأنها أن تخلق تغييرًا في لبنان على المدى المتوسط وليس انتهاء بالتوطين.
وعليه، ينبغي على المسؤولين اللبنانيين وضع خطة إستراتيجية لعودة النازحين بمختلف توصيفاتهم، لأن لبنان بات غير قادر على احتمال عبء النزوح.
وإن ننسَ لا ننسى فشل المجتمع الدولي الممانع المتفرّج إن لم نقل المتآمر في ظل سياسة دولية مشبوهة غير متعاونة لإعادة النازحين إلى بلادهم.
إنها ساعة العمل وليست ساعة الجدل. فلتتجاوز الحكومة جميع خلافاتها وتضع حلولاً سريعة ومعالجات جذرية تأتي في مصلحة الشعب اللبناني كما السوري وتبتعد كل البعد عن العنصرية. لذلك يجب على الحكومة اتخاذ كل إجراء قانوني وسيادي وإنساني، ولا يمكن لها أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ابتزازها من بعض النازحين السوريين تحت غطاء القانون الدولي الإنساني. كما يجب عليها القيام بالخطوات الأساسية من أجل إعادة النازحين الى المناطق الآمنة داخل سوريا، سيما وأن معظم المحافظات السورية أصبحت آمنة، خصوصًا في مناطق القلمون والقصير التي تستوعب أكثر من ستمائة ألف نسمة، لكن هذا الأمر يخضع طبعًا لموافقة القوى المسيطرة على تلك المنطقة. وعلى الحكومة أن تعطي أوامر تنفيذية واضحة ومحددة وجدية لكل الأجهزة الأمنية المعنية لتطبيق القوانين المرعية الإجراء بحذافيرها، وتعطي الغطاء السياسي للقوى العسكرية لا سيما الجيش اللبناني بإغلاق المعابر غير الشرعية ووقف تدفق السوريين وملاحقة جميع عصابات التهريب المعروفة بالإسم.
الأمر صعب لكنّه ليس مستحيلاً لأن الأسوأ بقاؤهم في لبنان. لذلك، نطالب بالعودة الآمنة إلى سوريا من دون ربطها بالحل السياسي منعاً لتكرار مأساة فلسطينية أخرى بحق الشعب السوري. فالحل السياسي للقضية الفلسطينية ينتظر منذ أكثر من 75 عاماً ولا يزال الفلسطينيون مشتّتين في كلّ أصقاع العالم.
لقد تحمّلنا الكثير ولم يعد باستطاعتنا أن نتحمّل المزيد من الأعباء عنهم وعن غيرهم.
يجب أن تُقرَع أجراس عودة السوريين الذين لا تتوافر فيهم صفة النازح، بل يقيمون في لبنان بصورة غير شرعية… فهل من يسمع؟
المحامي فادي مسلم ـ رئيس لجنة شؤون النازحين واللاجئين والعمال الأجانب في نقابة المحامين في بيروت
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]