صحيفة نداء الوطن- أحمد الأيوبي
منذ أن قرّر «حزب الله» الانخراط في جبهة «المساندة» لقطاع غزة، باشرَ استدعاءَ حلفائه واستحضارَهم إلى الجبهة ذات السخونة المحدودة، فظهرت حركتا «حماس» و»الجهاد» من الجانب الفلسطيني ثم بدأت الدعاية لمشاركة ما يسمّى «سرايا المقاومة» وتوسّعت لتشمل بعض المجموعات السنية بالتوازي مع بروز «قوات الفجر» الجناح العسكري «للجماعة الإسلامية»، وإن في سياق مختلف وخاص، لكنّ «الحزب» حرص على ترويج انطباع عام بأنّ تسخينه الجبهة يحظى بإجماع حلفائه وبتفهّم الشريحة الأوسع من اللبنانيين.
دفع «حزبُ الله» بعدد من التشكيلات إلى الواجهة مثل «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، بل إنّ مجموعة شاكر البرجاوي أصدرت مقاطع لظهورها العسكري في أعمال الحراسة التي تقوم بها على الحدود، وكان آخر الوافدين حزب «البعث» الذي أعلن مسؤوله في لبنان علي حجازي تفعيل «الجناحٍ المقاوِم»، لكنّ السؤال الأهمّ في هذا الخضمّ كان يدور حول موقف حركة «أمل» التي حرصت ميدانياً على تحييد مناطق نفوذها عن الأعمال القتالية ولم يصدر عنها موقف مباشر ممّا يجري على الحدود سوى الموقف العام المتضامن مع القضية الفلسطينية والمتفهِّم موقف «حزب الله». لكنّ هذه التساؤلات وجدت إجاباتها بعد أن كشف الاعتداء الإسرائيلي على موقعٍ تتمركز فيه حركة «أمل» وأسفر عن وقوع أحد مقاتليها لتُصدِر بياناً حول هذا التطوّر كشف العديد من النقاط التي احتواها بيانٌ قليل السطور كثير المعاني والأبعاد.
الملاحظ في البيان الآتي:
ــ «زَفّت الحركة شهيدها إلى قائدها (الرئيس نبيه بري) وجماهيرها» حصراً ولم تنسبه إلى حالة المقاومة العامة، وهذا يعيدنا إلى حالة الخصوصية التي تتمسّك بها «الحركة» في مسألة المقاومة، وحالة التنازع التقليدية السائدة بين «حزب الله» وحركة «أمل» حول أسبقية العمل المقاوِم وشرعيته وأساسه، وهذا أيضاً معناه أنّه ليست هناك ثنائية شيعية في المقاومة، بل إنّ قرار «أمل» ومسارها خاصان بها ولا يأتيان في إطار التطوّرات الإقليمية وأنّ «الحركة» ليست مندرجة في المحور (الإيراني) العسكري والقتالي، بقدر ما هي جزء من التحالف السياسي الشيعي اللبناني، من دون أن يعني ذلك تظهير مواقف مناقضة لهذا المحور بالضرورة.
ــ أنّ البيان جاء بصيغةٍ تقول فيها حركة «أمل» إنّ الموقع الذي يرابط فيه مقاتلوها تعرّض للاعتداء من العدوّ الإسرائيلي وأنّ عنصرها لم يُستشهد خلال عملية هجومية عبر الحدود بل خلال مرابطته في هذا الموقع، وكان باستطاعتها القول إنّه لقي مصرعه خلال أداء واجبه الجهادي بدون ذكر هذا التفصيل. ويشير هذا الواقع إلى أنّه لولا الاعتداء الإسرائيلي على الموقع الذي تتمركز فيه «الحركة»، ما كان ليخرج منها أيّ تحرّك ميداني سوى ما تقوم به من إجراءات وقائية، وقد جاء القصف الإسرائيلي ليحرِّك المياه الراكدة للحركة في موضوع «المقاومة» وليكشف عن وجود «الحركة» في مواقع جنوبية دفاعية.
ــ لم تتوعّد «الحركة» بالردّ والثأر، وهذا يؤكّد إصرارها على عدم الانخراط في الأعمال القتالية والبقاء في الحالة الدفاعية. تحمل طريقة صياغة حركة «أمل» البيان، رسائل للداخل والخارج بأنّها تريد أن تبقى في الحالة الدفاعية وهذا يعزِّز الانطباع بأنّها لا تريد تصنيف أعمالها على أنّها تنساق في الإطار الهجومي كما يقوم به «حزب الله»، لأنّها تقف على حدودٍ دقيقة وفاصلة بين اعتبار أنّها حركة مقاومة معرّضة للتصنيف الغربي والأميركي خصوصاً، كما حصل مع حركة «حماس» وكما هو أصلاً تصنيف «حزب الله»، وبين أنّها تقف في حالة الدفاع المشروع عن النفس، وهي حالة قابلة للتفهم داخلياً وخارجياً، من دون أن ننسى تأثيرات الضغوط الشعبية والسياسية الدافعة نحو التواجد في جبهة الجنوب… لكنّ مجرّد وضع اسم «الحركة» في قلب المواجهة سياسياً وإعلامياً يعطي «الحزب» بعض ما يريده من تظهير تأييد البيئة الشيعية سياستَه الحالية.
ليست المرة الأولى التي تتمايز فيها حركة «أمل» عن «حزب الله» فالتمايز الأكبر حصل في الموقف من دخول الحزب في الحرب السورية إلى جانب نظام الأسد، عندما بقيت «الحركة» في موقع الرافض لإرسال مقاتليها إلى الداخل السوري مكتفية بموقف سياسي عام ممّا يجري في سوريا، وهذا ما ترك أثراً مُغَلَّظاً لدى بشار الأسد ضدّها.
لا يمكن تحميل موقف حركة «أمل» فوق ما يحتمل، لكنّ الأكيد أنّ التمايز في الموقف من تسخين جبهة الجنوب لا يظهر فقط في استقبال آموس هوكشتاين وتلقي الرسائل الأميركية، بل في طريقة التعامل مع الميدان، وهذا ما يجب إبقاء العين عليه في الأيام المقبلة، لأنّ الأغلبية الشيعية في الجنوب ترفض الحرب قولاً واحداً، وبلغ الارتياح مداه الأقصى بعد انتهاء الكلمة الأولى للأمين العام لـ»حزب الله» بعد طول الغياب، والتي اعتبرها الجنوبيون إشارة للبقاء في منازلهم بعد أن كانوا أعدّوا للرحيل العدة والعتاد.