صحيفة الجمهورية- د. فؤاد زمكحل
بعد نحو 40 يوماً على بدء الحرب العدوانية والكارثية على غزة، لا شك في أنّ التداعيات والتأثير المباشر على الإقتصاد اللبناني واقتصاد منطقة الشرق الأوسط ككُل مُكلف، لكن سنركز في هذا المقال على الخسائر المباشرة والفادحة على الإقتصاد الإسرائيلي، الذي لا يُمكن للأعداء إعادة بنائه، وسيدفعون الثمن الأكبر جرّاء هذا الانهيار الباهظ.
نذكّر بحزن، أنّ منطقتنا بما فيها لبنان، قد تراجعت فيها القطاعات الإقتصادية، المالية، النقدية والإستثمارية، جرّاء الحرب والتدمير الراهن. لكن في الوقت عينه، فإنّ فرصة من الإستقرار والهدنة والثقة، ستعود إلى إنعاش الدورة الإقتصادية والإنماء في بلدنا العزيز.
أما إذا ركّزنا على الإقتصاد الإسرائيلي، فقد تراجعت البورصات إلى ما يزيد على 30% – 40%، أما الخسائر المباشرة فقد تجاوزت الـ 50 ملياراً. من جهة أخرى، إن الحركة السياحية والإستثمارية وكل القطاعات قد انحدرت وجُمّدت ولن يُعاد إنماؤها، من دون إعادة الإستقرار.
فإسرائيل التي كانت تحاول أن تضع نفسها وَهميّاً كمنصّة رئيسية في الشرق الأوسط، وبأنها قطب الريادة والإبتكار والتكنولوجيا، وحلمها أن تكون ميناء المنطقة، قد تَبخّر ولا رجوع إلى هذا الهدف الذي دُمّر. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الدولة التي حاولت أيضاً أن تُقنع نفسها والعالم بأنها بلاد الأمن والأمان، قد برهنت العكس، وانهارت ثقة شعبها ومستثمريها وريادييها.
فانهيار هذا الوهم والحلم غير الصادق، قد دفعَ الآلاف من السكان والمستوطنين إلى مغادرة هذه الأرض غير الخصبة ولا المستقرة، وهناك مئات الآلاف يتحضّرون أيضاً للمغادرة من دون أي نيّة للعودة. فأرقام الإغتراب مخيفة بالنسبة إليهم، وغير معلنة. فشاؤوا أم أبوا، إن تداعيات هذه الحرب المجرمة ستكون كارثية على اقتصادهم مهما كانت المساعدات وضخ السيولة. لأنّ كل أركان اقتصادهم المالية، أو النقدية أو السياحية، أو الإقتصادية أو الإستثمارية، تنهار يوماً بعد يوم، وتُدمّر ذاتياً بطريقة غير مباشرة نتيجة قصفهم الإجرامي.
سيكون من المستحيلات لإسرائيل إعادة بناء أركان إقتصادها، والإستفادة من الموارد الطبيعية، وإعادة أي نمو من دون استقرار، تفاوض، إحترام الشعوب والأراضي، والوصول إلى سلام شامل وتحقيق حلّ واستقلال دولتين منفصلتين.
في المحصّلة، إن لبنان ومنطقة الشرق الأوسط على مفترق طرق، فإمّا يتكامل التدمير والإجرام مع شبح وخطر توسيع بقعة الحرب إلى المنطقة، وجرّنا إلى مواجهة شاملة، لأن العدو لا يستطيع بعدئذ إعادة بناء إقتصاده أو العيش أو التعايش إلاّ بجوّ الحرب، وإما انها الفرصة الأخيرة، للتفاوض والمفاوضات الشفافة، وصولاً إلى السلام الشامل والإستقرار في المنطقة، لإعادة بناء ما دُمّر على أسس صلبة ومتينة، بمحبة واحترام واستقلالية.