بالوقائع: ذكرى الاستقلال وخيبات الواقع

حجم الخط

في مفهوم المواطنة والانتماء يندُر أن تكون الثوابت الوطنية والمحطات المؤثرة في تاريخ الوطن أو حتى التاريخ نفسه، مثار جدل أو خلاف أو حتى وجهات نظر مختلفة متناقضة وحتى متصارعة. فالأعياد الوطنية هي محط إجماع وافتخار كل المواطنين في مختلف الدول، كعيد الجيش والجلاء والتحرير والاستقلال.

في لبنان يُذكر الاستقلال كـ”عيد رسمي” ويُحتفى به باحتفالات شكلية وتهان صُوَرية بروتوكولية.

ففي الذاكرة الجماعية للبنانيين أو المجتمعية للشرائح السياسية والطائفية، ليس “الاستقلال” إلا ذكرى لما حصل في يوم 22 تشرين الثاني من العام 1943، وللأسف لم “يُعِدْه” الله ولا المسؤولين على الوطن وعلى المواطنين طويلاً، لتفقد ذكرى ذاك اليوم معنى العيد بالشكل وبالمضمون.

وقد ثبت بالوجه الوطني الفعلي، بأن الاستقلال الناجز أو المنجز تعثّر في محطات كثيرة بالنكبة الفلسطينية في العام 1948، ودخول العامل الفلسطيني وبعده في ما سمي بثورة 1958، ودخول العوامل المصرية والسورية والأميركية كذلك بُعيد حرب الـ1967، واتفاق القاهرة في العام 1969، وحوادث أيلول من العام 1970 في الأردن والتدخلات العربية لوقف بسط الجيش لسلطته في العام 1973 لمصلحة المنظمات الفلسطينية، وصولاً الى انفجار العام 1975 وما تلاه من احتلالات متعددة الأطراف وتدخلات من ما وراء الحدود، وصولاً الى اليوم حيث الاحتلال مقنّع وعن بُعد وبالواسطة، فيما التدخلات  مستمرة متمادية.

وعليه فإن كل ما ذُكر، أفقد ويُفقد ذكرى الاستقلال المنقوص “غير المنجز”، معنى العيد وينفي عنها جدوى الاحتفال.

ومقابل تعثّر استكمال “الاستقلال” أو المحافظة عليه، كانت هناك فرصاً واعدة و”محطات” استبشر بها أو بعدها، غالبية اللبنانيين باستقلال ناجز وتام. وأبرز هذه المحطات:

ـ 23 آب من العام 1982: انتخاب الرئيس بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية.

ـ 25 أيار من العام 2000: انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.

ـ 20 أيلول من العام 2000: نداء المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك ما نصرالله بطرس صفير الذي أتى بمثابة نداء الاستقلال الثاني.

ـ 14 آذار من العام 2005: تظاهرة لبنانية جامعة تحت شعار لبنان أولاً، وتحرير لبنان من الاحتلال.

ـ 26 نيسان من العم 2005: انسحاب الجيش السوري المحتل من لبنان.

ـ فوز قوى 14 آذار الواضح في الانتخابات النيابية في دورات 2005 و2009.

للأسف، كل تلك “الرافعات ـ التاريخية” بحسب تسمية علماء التاريخ والسياسة، سقطت تباعاً، أولاً بسبب قيام المحور الممانع والمرتبطين به بالالتفاف عليها وعلى نتائجها باللين وبالعنف، وبالخدعة وبالدم… والتاريخ والضحايا والشهداء شهودٌ على ذلك. ثانيًا لم تحسن بعض القوى والأطراف “السيادية” التعاطي مع تلك الفرص والرافعات، إذ اعتمدت بعضها حسن النية في انتهاج سياسة “أم الصبي”، ربط النزاع، والخوف، والتسويات، والتنازلات والتمريرات المتبادلة بالتعيينات والصفقات… لمصلحة المهيمن الخارجي، المقنّع بالطرف الداخلي المسلح، في خدمة الانتقاص المتمادي للسيادة والاستقلال.

وأخيراً، وفي حمأة الاحتفالات وخطابات وتغريدات “عيد الاستقلال” الوطني، من الضروري الالتفات وبتمعّن الى دولة الاستقلال المخترقة والمغتصبة من حدوده الجغرافية، انطلاقاً مما يجري من مصادرة لدور الجيش اللبناني رمز سيادة الدولة واستقلالها… الى حيث يمنن اللبنانيون النفس بـ”تحصيل” مطلب كبير طموح “بعيد المنال”، هو الحد الأدنى من “استقلال” للقضاء اللبناني، على طريق وطريقة رحلة الألف ميل، لبلوغ الاستقلال الوطني الناجز والتام، حيث العيد الحقيقي.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل