انشغلت الأوساط المالية والمصرفية بالأخبار التي سُرّبت وبقيت مجهولة المصدر، حول بحث ومشاورات قائمة تمهيداً لاتخاذ قرار بإلغاء التعامل بنظام السحب القائم لما يعرف بحسابات “اللولار”، المتعلقة بالحسابات المصرفية بالدولار التي كانت قائمة قبل اندلاع الأزمة في تشرين العام 2019. أي وقف سحب ودائع “اللولار” على سعر الصرف الرسمي 15.000 ليرة، وإتاحة السحب على سعر السوق.
حتى الساعة، لم يصدر أي توضيح رسمي حول التسريبات التي طاولت قضية “اللولار”، والتي أثارت مخاوف المودعين من أن تكون هذه الخطوة في حال أقرَّت على حسابهم. علماً أن الانطباع الأول حول إلغاء “اللولار” وسحب الودائع القديمة على سعر السوق، أي نحو 90.000 ليرة اليوم، ربما يراه كثيرون لمصلحة المودعين. لكن ما صحة التوجه إلى إلغاء “اللولار”، وهل هي خطوة ممكنة حالياً وتصب في مصلحة المودعين؟
مصادر مالية ومصرفية رفيعة المستوى، “لا تنظر بإيجابية إلى الشائعات المسرّبة حول إلغاء النظام المعتمد للسحوبات من الودائع المصرفية المصنّفة ضمن حسابات ما يُعرف بـ”اللولار”، وتعتبر أن “هذه التسريبات مشبوهة ولا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، إلا إذا قاموا باعتماد نظام شبيه بالتعميم رقم 158. بمعنى السماح بسحب ودائع “اللولار” على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، الفعلية عملياً، إنما بمبالغ سحب شهرية منخفضة جداً”.
المصادر ذاتها، تؤكد لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “لا يمكن أن يسمحوا لأصحاب ودائع “اللولار” بسحب ودائعهم على سعر دولار السوق مرة واحدة، أي 90.000 ليرة للدولار الواحد تقريباً، لأن المودعين سيقومون فوراً بسحب ودائعهم بالليرة والتوجه فوراً إلى شراء الدولار من السوق، فيصبح الدولار بمليون ليرة في اليوم التالي”.
“هذه الخطوة والكلام حولها اليوم وتوقيتها، مشبوه”، وفق المصادر عينها، التي تلفت إلى أن “مصرف لبنان يقوم منذ فترة بتجفيف السوق من الكتلة النقدية بالليرة، من أجل التحكم والسيطرة على الدولار كلاعب أول وأوحد لمنع تفلته. بالتالي، أن يقوم المصرف المركزي بخطوة ثانية اليوم بضخّ كتلة نقدية كبيرة بالليرة في السوق، فيتهافت الناس على طلب الدولار ما سيؤدي حكماً إلى ارتفاعه وعدم قدرة مصرف لبنان على الدفاع عن الليرة وضبط الدولار، خطوة لا تسقيم”.
تضيف: “كل ما قام به البنك المركزي في الفترة الأخيرة هو تخفيف الكتلة النقدية بالليرة من السوق، لمنع استخدامها في عمليات المضاربة وعدم ارتفاع سعر الدولار والحفاظ على الاستقرار النسبي ما أمكن. بالتالي، هناك عوامل عدة تجعل هذه الخطوة صعبة التطبيق عملياً، منها:
الحكومة عاجزة، والركود الاقتصادي في تفاقم والعجلة الاقتصادية لا تتحرك، والبلد غير منتج والناتج المحلي منخفض، ومصرف لبنان يدافع عن سعر صرف مصطنع، وتحديداً عبر تجفيف السوق من الكتلة النقدية بالليرة. بالتالي، كيف سيتخلى البنك المركزي عن هذه الآلية التي يمتلكها بيده من خلال إلغاء ما يعرف بـ”اللولار” وسحب الودائع المصرفية على سعر السوق وضخ كميات كبيرة من الليرة؟”.
المصادر نفسها، تشدد تكراراً على أن “توقيت تسريب هذه الأخبار حول إلغاء “اللولار” مشبوه”، لافتة إلى أنه “ما من معلومات مؤكدة حتى الآن حول اتخاذ قرار بإلغاء “اللولار” في ظل اقتصاد منكمش لا يتحرك وبلد يعيش انهياراً لا يتوقف. بالتالي وحتى إشعار آخر، هذا الكلام يبقى في إطار التكهنات وليس في إطار ما يمكن إنجازه. وفي الأساس، الحكومة غير قادرة على اعتماد سعر صرف ثابت ومؤكد لموازنتها، فكيف ستعتمد سعر صرف واحد على سعر السوق لسحب الودائع؟”.
أما عن المقصود من التسريبات حول “اللولار” في هذا التوقيت؟ ترى المصادر المالية والمصرفية أن “الهدف هو إلهاء اللبنانيين بملفات معينة في كل مرة وإضاعة الوقت وإشاحة الأنظار عن الانهيار القائم المتدحرج، لأن الوسائل الموجودة بين أيدي الحكومة ومصرف لبنان محدودة جداً والاقتصاد منكمش، ونتيجة فقدان الثقة بمعظم القابضين على السلطة والمتحكمين بالقرارات. مع الإشارة إلى أن هذه التسريبات لم تصدر عن حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري ولا من دوائر البنك المركزي، إنما من مواقع أخرى في السلطة”.
بالتالي، تتابع المصادر ذاتها: “إمكانية فتح السحوبات من ودائع “اللولار” بنسبة 100% ومن دون سقف، غير ممكنة، لأن ذلك يعاكس ما يقوم به مصرف لبنان للدفاع عن سعر الصرف. وإن كانت هذه الخطوة ستحصل، فهي بحاجة إلى اقتصاد يعمل، وإلى مصارف تحوز ثقة المودعين، وإلى بلد بدأ بالنهوض والإنتاج. وإن لم تتأمَّن هذه الشروط الثلاثة، يمكن الذهاب إلى حلول ترقيعية تشبه التعميم رقم 158 على الحسابات المصرفية التي لا تستفيد من هذا التعميم، أي ما يحكى عن إلغاء “اللولار، إنما على فترات طويلة جداً، والسحب يكون بمبالغ شهرية منخفضة قد لا تتعدى ما يعادل 200 دولار في أفضل الأحوال”.