لبننة الحدود.. هدنة وحياد أو فوضى وفلتان

حجم الخط

كتب شارل جبور في “المسيرة” ـ العدد 1747

لبننة الحدود حتى تستعيد الشرعية سيطرتها

هدنة وحياد أو فوضى وفلتان

كلمتان تختصران الجزء الخارجي من الأزمة اللبنانية: هدنة وحياد، وما لم يتم إحياء اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل، وما لم يطبّق القرار 1680 بالضبط الرسمي للحدود مع سوريا، وما لم يتم تحييد لبنان عن محاور الصراعات الخارجية والمشاريع الإقليمية، فإن لبنان سيبقى في دائرتي الفشل والفوضى.

وفّرت اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل الاستقرار للبنان واللبنانيين منذ عام 1949 واستمر حتى العام 1967، أي تاريخ النكسة التي سلمّت الأنظمة العربية بموجبها منظمة التحرير الفلسطينية راية استعاده الحقوق، فانتكس لبنان وسقطت حدوده وجاء اتفاق القاهرة في العام 1969 لتكريس الحدود الفلسطينية. وعلى رغم إلغاء هذا الاتفاق في العام 1987 لم يستعد لبنان حدوده مع إسرائيل التي ظلّت ممسوكة من النظام السوري إلى حين خروجه من لبنان في العام 2005 وتحوّلها إلى حدود إيرانية عن طريق “الحزب”.

فالخطيئة الأصلية التي فتحت حدود لبنان على الفوضى والفلتان كانت فلسطينية قبل أن تنتقل بالوراثة إلى النظام السوري وأخيرًا “الحزب” الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من مشروع إيراني توسّعي، وبعد أن خرج الجيش الإسرائيلي من لبنان في أيار من العام 2000 تطبيقاً للقرار 425، رفض النظام السوري تسليم الحدود اللبنانية إلى الشرعية، فاخترع مزارع شبعا من أجل إبقاء الحدود مع إسرائيل بيده من خلال “الحزب”، والأخير حافظ على الأمانة السورية وحوّلها بعد 26 نيسان 2005 إلى إيرانية بالكامل.

الحرب اللبنانية المؤرخة انطلاقتها في 13 نيسان بدأت عمليًا من الجنوب مع إسقاط اتفاق الهدنة مع إسرائيل الذي أسقط دور الدولة وحضورها، فدخل لبنان في الفوضى التي لن يخرج منها قبل أن يُعاد الاعتبار لاتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949 والتي أكد اتفاق الطائف على ضرورة التمسُّك بها.

وبالتوازي مع تمسُّك وثيقة الوفاق الوطني باتفاقية الهدنة، فقد نصّت بوضوح على “اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار الى منطقة الحدود”.

إذاً، النص واضح جدًا بأن الدولة تتخِّذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير الأرض وليس فئة رغمًا عن إرادة الدولة والشعب وتتلطى بعنوان مقاومة ما هي سوى ذراع للمشروع الإيراني التوسّعي، والأهم التأكيد على بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش على الحدود، الأمر الذي من الممنوع حصوله، والمانع اليوم هو “الحزب”، ولو طبِّق اتفاق الطائف وتم الالتزام باتفاقية الهدنة لما صدر القرار 1701 الذي يرتكز على الاتفاق والاتفاقية.

وقد انضم القرار 1701 إلى نادي الاتفاقات والقرارات الممنوع تطبيقها، بدءًا من اتفاق الطائف وصولاً إلى القرار 1559 وما بينهما وبعدهما، ولو طبِّق القرار 1701 منذ صدوره في 11 آب 2006 وموافقة الحكومة اللبنانية عليه بالإجماع في 12 آب، أي بمشاركة وزراء “الحزب” وموافقتهم، ووقف إطلاق النار في 14 آب، لما كان يشعر اللبناني بالخوف من تكرار حرب تموز 2006، ولما كان تأثّر لبنان ماليًا واقتصاديًا وسياحيًا وتجاريًا بالحرب الدائرة في الجنوب، إنما كان أعلن تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني وتنديده الشديد اللهجة بالمجزرة المفتوحة بحقه على غرار الدول العربية والغربية، وكانت استمرت الحياة في لبنان طبيعية على غرار حياة المصريين والأردنيين وغيرهما من الشعوب العربية.

مشروع تعطيل دور الدولة الذي بدأ مع إسقاط اتفاقية الهدنة لا يمكن وقفه قبل أن تستعيد الشرعية سيطرتها على الحدود من خلال نشر الجيش والقوات الدولية، وبالتالي الارتباط بين لبنانية الحدود وبين دور الدولة أكثر من عضوي ومحكم وبنيوي، فلا دور للدولة في ظل حدود فلسطينية ومن ثم سورية واليوم إيرانية، والمدخل لاستعادة الدولة دورها يبدأ من إحياء اتفاقية الهدنة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من فرصة يمكن أن تقدمها الحرب المأسوية في غزة بانعقاد مؤتمر دولي تنفيذاً لمقررات القمة العربية والإسلامية فتقوم دولة فلسطينية من وسط ركام الحرب والموت ويستعيد لبنان مقوّماته السيادية والدولتية بتطبيق الدستور والقرارات الدولية؟

كل مواطن لبناني ينشد الاستقرار والازدهار يأمل أن تنتهي جلجلته المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود، ولكن لا مؤشرات تنبئ بهذا الانفراج الكبير بعد، إلا أنه من غير المقبول بأي شكل من الأشكال استمرار الواقع اللبناني المأزوم الذي تبدأ معالجته بإحياء اتفاقية الهدنة واسترجاع لبنانية الحدود، وبالتالي المدخل لإنهاء أحد أوجه الأزمة اللبنانية يكمن في تفعيل هذه الاتفاقية من جهة، وتطبيق القرار 1680 لناحية الضبط الشرعي الكامل للحدود مع سوريا من جهة أخرى.

وطالما أن الحدود مع إسرائيل ومع سوريا تقع تحت سيطرة “الحزب”، أي إيران، فيعني أن لبنان سيبقى ساحة للمشروع الإيراني، وأي مؤتمر دولي للمنطقة يجب أن يكون على جدول أعماله استعادة لبنان للسيادة على حدوده كأي دولة سيدة على أرضها، وعندما تستعيد الشرعية اللبنانية سيطرتها على حدود لبنان البرية والبحرية والجوية يعني أن تحييد لبنان عن المشاريع التي تستخدم أرضه قد أُنجز.

فلا حلّ للأزمة اللبنانية بوجهها الخارجي سوى من خلال لبننة الحدود مع إسرائيل وسوريا، وفرض تحييد لبنان بقرار دولي، لأنه ما لم يحيّد لبنان عن مشاريع الدول الخارجية، والمقصود تحديدًا المشروع الإيراني الذي يتحمّل بعد خروج الجيش السوري من لبنان مسؤولية منع قيام دولة فعلية وإبقاء البلد ساحة يتحكّم بمفاصلها “الحزب”، فيعني أن أية حلول داخلية للتركيبة السياسية ستبقى متعذرة.

فكيف يمكن الوصول إلى التركيبة التي تضمن ديمومة الاستقرار والحفاظ على التعددية التي هي قدس أقداس لبنان في ظل حزب مسلّح يُمسك بالحدود مع إسرائيل ومع سوريا؟ فتحييد لبنان عن المشروع الإيراني المزعزع للاستقرار اللبناني يبدأ بلبننة الحدود وليس الجماعات والأحزاب، فهل هناك فرصة اليوم لتحقيق هذا الهدف ـ الحلم الذي يستعيد معه لبنان دور سويسرا الشرق، وذلك في سياق البحث عن الحلّ الدائم للقضية الفلسطينية؟

لا إجابة عن هذا التساؤل-الهدف بعد، ولكن الأكيد أن هناك فرصة جدية لتحقيق أهداف القضية اللبنانية بعد خمسة عقود على انهيار الدولة، وكل الأمل أن تُترجم هذه الفرصة على أرض الواقع.

شارل جبور ـ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل