“لقد أعلنت الحكومة بصراحة ومنذ اللحظة الأولى لانفجار الأحداث أنها لم تكن على علم بما وقع ولم تتبنَّ العملية التي نفذها “الحزب” لأسر الجنديين الإسرائيليين… إن لبنان لا يستطيع القيام والنهوض إذا كانت الدولة فيه آخر من يعلم وأول من يُطالب”. رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة في 15 تموز من العام 2006.
هذا الإعلان ذو الدلالات الذي صدر عن رئيس الحكومة بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب الثانية على لبنان نتيجة خطف جنديين إسرائيليين على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لم يختلف بمضمونه عن إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي الذي قال في 13 تشرين الأول من العام 2023 ردًا على سؤال، إن “قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة”، وكلام ميقاتي أتى بعد قرار حزب الله الدخول في “ميني حرب” مضبوطة بقواعد اشتباك رسمت معالمها نتائج الحروب السابقة على لبنان في 1996 والـ2006… وقرار الدخول صرح عنه أمين عام الحزب صاحب قرار السلم والحرب بقوله في 3 تشرين الثاني من العام 2023: “نحن دخلنا المعركة منذ 8 تشرين الأول”.
طبعًا الدولة في 2023 كانت كما في 2006 آخر من يعلم وأول من “يُطالب”، وانطلاقًا من قول نصرالله نفسه، كان لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ردًا على محاولة تحميل الدولة بمؤسساتها وشعبها وما تبقّى من خزينتها، أعباء الخسائر الناجمة عن قرار دويلته، إذ قال جعجع في هذا المجال: “أهالي الجنوب يستحقون كل تعويض ولكن على من تسبب بتهجيرهم التعويض عليهم وليس الدولة اللبنانية، فهو من اتخذ قرار شنّ العمليات انطلاقًا من الجنوب، ووقت يلي هني بدن بيجوا على الدولة بس لما بدن يطلقوا الصواريخ ما بيرجعولا، وبالتالي هذا كلام غير منطقي”.
إن قراءتنا لأحداث معينة أو حروب بعينها ينبغي مقاربتها من خلال ما واكبها من وعود وتصاريح وما تبعها من وقائع، قد تتطابق او تتناقض مع تلك الوعود والتصاريح:
ـ في حرب تموز من العام 2006 أطل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله مُطمئناً اللبنانيين الى أن الخسائر المادية ستعوّض من “مال نظيف”، يقصد به من إيران، ليكتشف اللبنانيون وسريعًا بأن 90 بالمئة من المساعدات وأعمال إعادة الإعمار والتمويل التعويضي كانت من الدول الخليجية ومن أموال غير نظيفة حسب توصيف نصرالله… من دون أن نغفل “كراتين” إيران من الدولارات والتي تصدرت الشاشات لتوزع على المقربين المُرضى عنهم، بحسب شكاوى وتصاريح غير المحظيين بنعمة الحزب الإلهية أنفسهم.
وما أشبه اليوم بالأمس ففي ميني “حرب تشرين الأول ـ تشرين الثاني 2023″، أطل عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله ليقول: “إننا في الحزب بدأنا دفع التعويضات”، وأشار الى “أنّ الأضرار لحقت بـ37 مبنى، وأنّ 11 مبنى تعرض للحريق الكلي”. وأضاف: “أما على صعيد الترميم، فنحن في إحصائنا حتى الآن، هناك نحو 1500 منزل من الناقورة الى شبعا وكفرشوبا تتراوح بين أضرار جسيمة وزجاج مكسور”. كما أشار الى “السيارات التي تضررت أو احترقت أو دمّرت، وأيضًا المزروعات المثمرة، ومنها حقول الزيتون. هناك مخصصات لعائلات الضحايا… وهذا جزء من عمل المقاومة، ومن يقدّم تضحيات ودماء لا يبخل بأي شيء آخر”، ليقول بعدها و”لكن هذا لا يُعفي المؤسسات الرسمية من القيام بواجباتها وإحصاء الأضرار والتعويض على الناس، وأن تكون المساعدات التي تأتي لهذه المعركة من حقّ الناس وأن تصل إليهم. ونحن من جهتنا سنبذل كل جهد مع مؤسسات الدولة، ولا يخلط من هم في الموقع الرسمي بين ما نقوم به وما هو عليه، وهذا الأمر يحتاج إلى كل تعاون فيما بيننا أولاً، وبيننا وبين المؤسسات الرسمية”.
انطلاقًا من كلام نصرالله في 24 حزيران من العام 2016 عن انه “طالما يوجد في إيران فلوس يعني نحن لدينا فلوس، ومالنا المقرر لنا يصل إلينا”، وما أكده في 1 تشرين الثاني من العام 2019: “إذا انهار البلد ولم تعد الدولة تستطيع دفع المعاشات فإن المقاومة ستبقى موجودة وتدفع المعاشات لشعبها”، كذلك في 17 حزيران من العام 2020، “نحن من يأتي بالدولار إلى لبنان”، وما قاله في 20 كانون الثاني من العام 2023: “نحن دولة على حافة الانهيار إن لم نكن قد أصبحنا داخله”… نكون أمام استغلال مقيت وخطير للدولة ماليًا اقتصاديًا، سياديًا ووجوديًا، تقوم به الدويلة “المليئة” على ما ذكره أمين عام حزبها الحاكم في المحطات المذكورة أعلاه، ونكون أمام رضوخ ما تبقى من دولة على الإجهاز على ما تبقى من خزينة واستقرار مالي ونقدي… وهذا ما أكده النائب حسن فضل الله بقوله :”ميقاتي التزم تأمين المبالغ اللازمة”…
طبعًا لم يشذ الأداء الممانع في غزة عن الأداء في لبنان اذ تسببت عملية طوفان الأقصى بخسائر فادحة بشريًا واقتصاديًا، لتهب بعدها الدول “غير المعنية” بمالها “غير النظيف” لمساعدة غزة بعشرات القوافل من السعودية والإمارات والدول الأوروبية والجمعيات والمؤسسات الغربية، مقابل صفر “قوافل” من الدولة الإيرانية، وذلك بعد مناشدات قياديي حماس للدول العربية “المتآمرة” على القضية الفلسطينية وعلى حماس.
في الخلاصة والمختصر ومن نموذج “الأسرار من الصغار”، نقع على التصريح المعبّر لرئيس حزب التوحيد وئام وهاب عن إعادة إعمار غزة: “…سيدفع العرب بالقوة وإلا تخترب بلدانهم”.