لكل من يسأل عمّا يفعله النواب الـ19

حجم الخط

كثرت في الآونة الأخيرة التساؤلات الساذجة او المبيّتة، على شكل مواقف من جهة، ومقالاتٍ وتحليلاتٍ من جهةٍ ثانية، عمّا يفعله نواب القوات ال 19، وعمّا يمكن لهم فعله اليوم مهما كان عددهم كبيراً، وعن كيفية تسييل عدد نواب تكتل القوات سياسياً، وذلك حتى يتكامل العدد الكبير للتكتل مع المردود السياسي للقوات.

لهؤلاء ولسواهم، نستعرض بعض الوقائع والمعطيات التي قد تجيب عن تساؤلاتهم:

اولاً) في البُعد التاريخي
في ازمنة اختلال الموازين الداخلية والخارجية، بفعل انجرار بعض الأحزاب والفئات اللبنانية الى مشاريع خارجية او مصالح ذاتية او رهاناتٍ خاطئة، وإخلالهم تبعاً لذلك بمرتكزات العيش المشترك والدولة القوية، لا يعود المطلوب من اي نواةٍ وطنية لبنانية ترمز الى ما تبقّى من سيادةٍ وحريةٍ ودولةٍ فعلية، ان تُنجز بمفردها التحرير وتُحقق الأمن والحرية والاصلاح وإقامة الجمهورية القوية، لأن دورها ينحصر في هذه الحالة بإيجاد ارضية الثبات والصمود والمقاومة للحفاظ على البقية الباقية من لبنان الحّر، بانتظار استيقاظ الآخرين من غيبوبتهم الوطنية وملاقاتها في منتصف الطريق، لإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الفعلية الجامعة، من جديد.

هذا ما حصل مع القوات اللبنانية خلال فترة الحرب، وهذا ما يحصل مع تكتل القوات اللبنانية اقلّه منذ الانتخابات الأخيرة وحتى اليوم.

خلال فترة الحرب وما بعدها حتى عام 2005، كانت القوات اللبنانية تحافظ شبه وحيدةٍ على نواة لبنان الحر والدولة اللبنانية في مواجهة اخصامٍ داخليين وخارجيين لا عدّ لهم ولا حصر في الظاهر، انما يحركهم مايسترو واحدٍ احد اسمه نظام الأسد، سعوا لعزلها ومحاصرتها مطلقين عليها وعلى مناصريها كل انواع الصفات والنعوت التي تصفها بالانعزال واستعداء المحيطين الاقربين والأبعدين، وهذا كلّه لمجرد الحد من فعاليتها وخشية امتداد تأثيرها السيادي الحر كالشعاع في ارجاء الوطن، وقد استخدمت لهذه الغاية كل انواع الأسلحة المحرمّة.

تكثر الأبواق والأقلام المأجورة والخناجر المرفوعة، لكن المايسترو ما زال واحداً. بالأمس كان نظام الأسد واليوم هو محور الممانعة.

وبذلك تقلصّت رقعة الدولة اللبنانية الى حدود نواةٍ جغرافية صغيرة تتواجد فيها القوات وتشكّل حوالى 10 بالمئة من مساحة الدولة اللبنانية، تماماً مثلما تقلصّت رقعة السيادة والحرية والدولة الفعلية الى حدود 19 نائباً قواتياً مع من يشبههم، يُشكّلون نسبةً ضيئلة من اجمالي عدد اعضاء السلطة التشريعية التي تنبثق منها عملياً كل السلطات التي تضع السياسات العامة في الدولة.

لم يكن المطلوب من القوات اللبنانية منفردةً في ذلك الحين تحرير كامل التراب اللبناني، وإقامة الدولة اللبنانية القوية، لأن ذلك يفوق قدراتها وامكانياتها، خصوصاً وان الدولة اللبنانية ليست دولة القوات اللبنانية فقط، بل هي حاصل جمع كل الارادات اللبنانية من اليمين الى اليسار ومن الشمال الى الجنوب، وتالياً هي دولة جميع اللبنانيين الذين منهم من خاف وتصرف كالشيطان الأخرس، ومنهم من تعامل وتآمر وكان شيطاناً ناطقاً، ومنهم من تصرف بلا مبالاة، ومنهم من راقب عن بُعد منتظراً التحوّلات….

فكلما تلاقت ارادة بقية اللبنانيين مع ارادة القوات سهُل تحقيق هدف اقامة الدولة الفعلية، وكلما تباعدت هذه الارادات اصبحت المهمة اكثر صعوبة على القوات ومن معها، وبدأ التفكير بصيغة سياسية ودستورية جديدة تُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة، وأنما وفق اسس ومرتكزاتٍ جديدة.

كان الطرح الأساسي للقوات خلال الحرب يتمحور حول بُعدين اساسيين:

الأول، وهو السعي لإقناع بقية اللبنانيين، وخصوصاً المجموعة الحضارية المسلمة، بملاقاة مشروع القوات اللبنانية القائم على شعار لبنان اولاً والدولة القوية، ليس بالنوايا والتمنيات القلبية فحسب، بل بمواقف وخطوات ملموسة. وهذه كانت اولوية القوات وما زالت.

الثاني، وهو طرح صيغة الدولة اللامركزية كبديلٍ عن عدم استجابة الباقين مع المطلب الأول، وكنموذجٍ دستوري تجريبي انتقالي، يُصار بعده: إمّا الى اعتماده كحلٍ مستدام او بعيد الأمد لإقامة جمهورية لبنانية جديدة؛ او عودة الجميع الى مفهوم الدولة المركزية القوية كما كانت عليه قبل الحرب وقبل اتفاقية القاهرة؛ او الافتراق الدستوري التام واقامة كل مجموعة حضارية الدولة التي تعبّر لها عن تطلعاتها ورؤيتها.

كان على القوات اللبنانية احتضان نواة لبنان الحر على مدى اكثر من ثلاثة عقود برغم الظلم والقهر والمعاناة، الى حين ازفّت لحظة 14 اذار 2005 فتحولّت معها هذه النواة الى تيارٍ لبناني جارف يُخرج جيش الأسد من لبنان ويُحيل حلم الجمهورية القوية واقعاً قريب المنال، تمهيداً لضبط موضوع السلاح غير الشرعي حتى ايصال الدولة اللبنانية الى شاطىء الآمان.

منذ نشأتها والقوات اللبنانية تأخذ بعين الاعتبار كل الحسابات في معرض سعيها لإقامة الجمهورية القوية، وخصوصاً رصد تطوّر موقف المسلم اللبناني من هذه القضية بوصفه الشريك الطبيعي في اقامة هذه الجمهورية، غير انها لم تكن لتتصور في يومٍ من الأيام ان تأتي الطعنة في ظهر مشروع اقامة الدولة القوية من اقرب المقربين اليها، اي المسيحيين، الذين مثل شريحةً واسعة منهم التيار العوني في ذلك الحين.

تفاهم الشياح بين التيار العوني وحزب الله في 6 شباط 2006 لم يعرقل مشروع اقامة الدولة فحسب، معيداً السلاح غير الشرعي الى قلب المعادلة السياسية والدستورية عوض ضبطه تمهيداً لتسليمه الى الجيش اللبناني، بل اعاد ايقاظ هواجس الطائفة السنّية في لبنان من مغبّة عقد تحالفٍ للأقليات يسعى الى عزلها داخلياً واقليمياً بالإضافة الى ازكاء نيران فتنةٍ سنية شيعية كنتيجةٍ موضوعية لهكذا توجّه، خصوصاً وان التيار العوني كان يُشكل غالبيةً مسيحية كبيرة حينها، وخصوصاً ايضاً ان اغتيال رمزها التاريخي الشهيد رفيق الحريري كان بدوره يصّب في خانة إزكاء هذه المخاوف بالذات، وخصوصاً ايضاً وايضاً ان الطائفة السنّية كانت قد تخلت للتو مع رفيق الحريري عن توجهاتها القومية والعروبية لصالح لبنان اولاً، معتبرةً ان تبنّي المسيحيين لهذا الموقف تحصيلً تاريخي ووجداني حاصل، بما كان يُحصّن توجّهاتها الجديدة ويحصّن معها كل الوضعية السيادية اللبنانية.
دفع هذا الواقع زعامة الطائفة السنّية للتصرف بحساسية شديدة ازاء اي مسّ بمكتبساتها ومواقعها ما بعد الطائف، خصوصاً في فترة تمدّدها مع سواها داخل الحصة المسيحية في النظام، ممّا كان يكبّل حلفائها المسيحيين بمواجهة الأطراف غير السيادية في الشارع المسيحي التي راحت تستثمر وتتاجر في حقوق المسيحيين، كما دفع الزعامة السنّية لمحاولة تفشيل فكرة تحالف الأقليات من خلال الاقتراب “اسلاميا” من حزب الله وعقد تسوياتٍ وتفاهمات معينة معه، والذي جاء على حساب سيادة لبنان، فكل اقترابٍ من اجندة الدويلة هو ابتعادٌ بديهي عن فلسفة الدولة.
بموازاة هذا المسار كان مشروع عزل القوات ومحاصرتها واضعافها هو الشغل الشاغل لمحور الممانعة بوصفها حزباً عنيد المراس سيادياً، لا يلتقي مع حزب الله لا في موضوع تحالف الأقليات، ولا في البُعد الاسلامي، ولا في موضوع السلطة كسلطة ومكتسباتها، انما يتمسك بخطٍ بياني واضح المعالم يصّب في نهايته عند مشروع اقامة الدولة القوية.

ادّت هذه الدينامية مع الوقت، الى ضرب الكثير من مكتسبات ثورة الأرز، ممّا كان يحد من فعالية كل مكوناتها داخل النظام، خصوصاً في الشق السيادي، وصولاً الى إخراج الزعامة السنية من معادلة توازن القوى التي ارستها ثورة الأرز وادت الى تحقيق المكتسبات السيادية التي تحققت بالأساس، وذلك بعدما باتت موضوعة امام خيارين لا ثالث لهما: اما الاستمرار بمجاراة الدويلة وعقد تسوياتٍ معها، مع ما تستجلبه من ابتزازٍ وانهيارات سياسية واقتصادية وغربةٍ عربية وخليجية؛ وإما العودة الى المرتكزات الاساسية لثورة الأرز مع ما تعتريه من مخاطر امنية وفتنةٍ مذهبية.

اعاد هذا الواقع تحجيم التيار اللبناني السيادي الجارف الذي كان مجرد نواةٍ قواتية في اساس تكوينه قبل ان يصبح ما هو عليه في لحظة 14 اذار، واضعف كل الوضعية السيادية اللبنانية، وارجع القوات اللبنانية مع نوابها ال 19 اليوم الى نقطة البدايات، عندما كانت هذه القوات، في فترة النضال العسكري ولاحقاً السلمي، محاصرة بكل انواع الشرور والضغوطات والتحديات، وترمز الى نواة لبنان الحر المزدهر الذي يقاوم بكل ايمان وصمود وثبات للحفاظ على ما تبقّى حراً سيداً مستقلاً منه، بانتظار ان يعود باقي اللبنانيين الى كنفه سياسياً واعلامياً وانتخابياً ونيابياً وسيادياً تحقيقاً لحلم الحرية والسيادة والازدهار، كما حصل مرّة في 14 آذار، وسيحصل مرّةً ثانية وثالثة ورابعة من جديد.

ثانياً) في البُعد الميثاقي
اعطت الأنظمة التوافقية، كما هي عليه حال النظام اللبناني في إطارها النظري، حق الفيتو للمجموعات الحضارية التي تتكوّن منها البنية المجتمعية التعددية لهذه الأنظمة، في كل ما يتعلق بمصالحها الحيوية داخل النظام.

يستمّد هذا الفيتو فعاليته من وحدة التطلعات السياسية والأهداف الستراتيجية لكل مجموعة حضارية من هذه المجموعات او غالبيتها المطلقة على الأقل، وتتلاشى تلك الفعالية بمجرد اختلاف تلك التطلعات والأهداف بين الأطراف والفئات والأحزاب التي تتكوّن منها البنية المجتمعية الواحدة.
لبنانياً، كرسّت انتخابات 2022 على مستواها الشعبي، وحدة التطلعات والاهداف لغالبية كبرى من المجموعة الحضارية المسيحية ممثلّةً بالقوات اللبنانية وحلفاءها من القوى والاحزاب والشخصيات المسيحية السيادية والتغييرية، ممّا منحها، نظريا،ً حق الفيتو الميثاقي المسيحي داخل النظام التوافقي اللبناني، ورفع من قوة تأثيره بمواجهة مشاريع الهيمنة والفرض والاستلحاق التي يمثلّها محور الممانعة.

غير ان تدخل حزب الله، في مجريات العملية الانتخابية وتوازن القوى داخل البيئة المسيحية، اقتراعاً وتأليفاً للوائح وتلحيناً، قد اعاد تعويم الأقلية المسيحية الهزيلة التي تنتمي الى محور الممانعة، وتتعارض في تطلعاتها واهدافها مع الغالبية الشعبية المسيحية، وجعلها تبدو مساويةً في الحجم النيابي والعدد، ولكن من دون الجوهر، مع تكتل القوات اللبنانية وحلفائها. وهو ما حال دون “تقريش” الفيتو القواتي عملياً على مستوى آلية عمل السلطة واتخاذ القرارات، موجداً انقساماً للفيتو المسيحي الى نصفين متعارضين في الستراتيجيا والتطلعات، ممّا اضعف فعالية هذا الفيتو، ليس على مستوى القوات وحلفائها فحسب، وإنما على المستوى المسيحي العام، حارماً الغالبية الشعبية المسيحية والوطنية التي يمثلها تكتل القوات وحلفائه، من استخدام هذا السلاح الدستوري الأبيض تحقيقاً للسيادة والحرية والازدهار، بمواجهة اسلحة الممانعة السوداء.

علماً ان هذا الفيتو الميثاقي التي حُرمت القوات وحلفائها من امتلاكه بالحيلة والتزوير، لا يهدف الى تعطيل شؤون الدولة وإفراغ المواقع الدستورية لممارسة الابتزاز والسيطرة، كما يفعل ثنائي الممانعة مع ملحقيه الاخرين، إنما الى تحقيق هدفين:

الأول، وهو تعطيل اي قرار يمسّ بالمصالح الحيوية للمسيحيين، ومن خلالهم المصالح العليا للدولة اللبنانية واللبنانيين الآخرين؛ والثاني، هو خلق توازن قوى يُعطّل مفاعيل فيتو الممانعة، اقلّه لتحقيق الحد الأدنى من التوازن الوطني ومنع جر لبنان لسياسة المحاور، خصوصاً في ظل سلاحٍ غير شرعي ذو ابعادٍ استراتيجية اممية، يحول دون قيام دولةٍ فعلية كاملة المواصفات، كما يطمح اليها غالبية اللبنانيين.

وعليه، فإن ما يوحي وكأن تكتل حزب الله المؤلف من 13 نائباً يتفوّق على تكتل القوات المؤلف من 19 نائباً، خصوصاً لناحية فرض ايقاعه ونمطه على السلطة السياسية والقبض على مفاصلها القضائية والعسكرية والادارية والمالية، لا يتعلق فقط بامتلاكه السلاح وفائضٍ من القوة العسكرية يستقوي بها على الدولة وعلى معارضيه، ولا يتعلق كذلك في اعتماده على موازين قوى اقليمية ودولية يُسخّرها لتحقيق تفوّقٍ مُعيّن على الباقين داخل دينامية السلطة في لبنان، وإنما ايضاً وايضاً امتلاكه لقوة الفيتو الميثاقي الشيعي، بالتكافل والتضامن مع حركة امل، في مقابل شرذمة وإضعاف كل الفيتوهات الميثاقية الباقية، والتدخل دعماً وتعويماً للتيار العوني لخلق توازن قوى سلبي داخل المجموعة المسيحية، يحول دون تكريس القوات اللبنانية وحلفائها ناطقين شبه وحيدين للمسيحيين بما يمنحهم حق التعطيل علىى سياسات الفشل والتعطيل، ويعيد تصحيح التوازن وموازين القوى وطنياً.

علماً ان الفيتو الميثاقي في لبنان اقتصر في اساس نشأته على الطائفة المسيحية من جهة، والطائفة الاسلامية من جهةٍ ثانية، غير ان تدخّل السلاح غير الشرعي في موازين الحياة السياسية والدستورية، كما حصل في 7 ايار 2008، قد انتزع بالقوة في مؤتمر الدوحة، فيتو شيعي مُقنّع تحت مُسمّى الثلث الضامن، او الثلث المُعطّل، وهو ما اتاح لحزب الله عبر تكتله النيابي ممارسة لعبة التعطيل الدستوري للقبض على كامل الحصة الشيعية في النظام، واستخدامه منطلقاً للقبض على الحصص والصلاحيات الثانية، مستغلاً في ذلك غياب اي فيتو ميثاقي فعّال بمواجهته، بتشرذم القوة السياسية السنّية من جهة، وخلق النقيض الميثاقي للقوات اللبنانية من جهةٍ ثانية.

من هنا، يسعى تكتل القوات اللبنانية لإيجاد فيتو بديل عن الفيتو المسيحي الميثاقي، من خلال نسج تحالفاتٍ عابرة للطوائف مع قوى واحزاب وشخصيات سيادية تغييرية تمكّنهم مع بعض من امتلاك قوة تأثيرٍ نيابية وسياسية توازي قوة الفيتو الطائفي، وتقف سداً منيعاً امام مشروع دويلة الممانعة التوسّعي داخل الدولة وعلى حسابها، بانتظار ان تكبر هذه النواة بانضمام نواب وقوى جديدة اليهم، وهذا ما تبدّى ويتبدّى من خلال عرقلة وصول مرشح الممانعة الى الرئاسة، لصالح طرح مرشحٍ توافقي ينسجم مع الطبيعة التوافقية للنظام اللبناني، ومن خلال التصدي لمحاولات ابتلاع الصلاحيات الرئاسية عبر تعيين قائدٍ جديد للجيش واستصدار قوانين مالية وضريبية وتشريعات تحاصصية تخرق الدستور ولا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب اللبناني، خصوصاً في ظل فراغٍ رئاسي متعمّد، واحتكار السلطة السياسية من قبل محورٍ اثبتت كل التجارب فساده وعدم نزاهته، وتالياً فشله في ادارة دولةٍ قائمة والتسبب بانهيارها، او انتشال دولةٍ كان هو سبب انهيارها بالأساس.

ثالثاً) على المستوى الدستوري والبرلماني
اقرّ اتفاق الطائف الطبيعة البرلمانية للدستور اللبناني الذي يقوم على مبدأ وجود سلطةٍ تنفيذية تتولاّها الحكومة، ووجود معارضةٍ برلمانية فعّالة تُشكّل احدى ركائز الانظمة البرلمانية بالإجمال، إضافةً الى وجود احزاب تشكّل بدورها قاعدةً اساسية من قواعد تلك الأنظمة.
وبعدما تحولت السلطة السياسية في لبنان مرتعاً للفساد من دون اي امكانية لاصلاحها من الداخل بفعل انخراط السلاح غير الشرعي في معادلة الحكم والحكومة، على الرغم من كل المحاولات التوافقية والتوفيقية والتسويات التي جرت قبلاً، وبعدما بات انقاذ الوضعية اللبنانية يستوجب الخلاص من الطبقة الحاكمة وإزاحة عبء فسادها عن كاهل الوطن والمواطن، لا الجلوس معها على طاولة السلطة التنفيذية او التشارك معها في الحكم، وبعدما باتت السلطة في لبنان مغارةً للصفقات والمحاصصة والهدر لا منطلقاً للتحديث والتطوير والترشيد وتوطيد ركائز الدولة الحديثة كما هي عليه في اطارها النظري، لذلك، وعملاً بمقتضيات النظام البرلماني ووجود موالاة ومعارضة، ارتأت القوات اللبنانية ممارسة العمل السياسي والديموقراطي انطلاقاً من صفوف المعارضة البرلمانية البنّاءة، الذي يتيح للمعارضة انتقاد اداء السلطة وكشف اعوجاجاتها والحدّ من اضرارها على الدولة والمجتمع قدر المستطاع، اضافةً الى ممارسة ادوارٍ رقابية والمشاركة في عمل اللجان ومناقشة التشريعات وصياغتها.

غير انه لم يكد يمضي على تشكيل تكتل القوات الحالي بضعة شهور حتى احدث محور الممانعة فراغاً في موقع الرئاسة، وبما ان التشريع والمشاركة في جلسات البرلمان خارج اطار جلسات انتخاب الرئيس، يشكّل خرقاً للدستور وانتقاصاً من صلاحيات الرئيس وانتهاكاً للدورة الديموقراطية السليمة في ظل الفراغ الرئاسي، لذلك فقد خسر تكتل القوات قاعدةً من قواعد عمله التشريعي، بحيث تركّز دوره في ممارسة المعارضة السياسية والمشاركة في عمل اللجان البرلمانية وعقد اللقاءات في الداخل والخارج للدفع باتجاه اجراء الانتخابات الرئاسية بعيداً عن طغيان محور الممانعة ويشكل قوة ضغطٍ نيابي في هذا الاتجاه، والحث على تنفيذ القرار 1701 واستعادة الدولة سيادتها والدورة الاقتصادية عافيتها، وتشكيل لوبي اعلامي وسياسي ضاغط على الطبقة الحاكمة يحدّ من فسادها وفشلها وارتهانها، بالإضافة طبعاً لانخراطهم في هموم دوائرهم الانتخابية معيشياً وبيئياً وانمائياً وخدماتياً وحياتياً، للتخفيف عن المواطنين اعباءهم اليومية، وتوفير الحدّ الممكن من مستلزمات العيش الكريم قروياً وبلدياً.

وبذلك اثبت ويثبت تكتل القوات بنوابه ال 19 عن تميزّه وجديته وفعاليته في هذا المضمار، مشكلاً بصيص املٍ في قيام دولةٍ لبنانية فعلية، ومعطياً قيمةً مضافة للحياة السياسية والبرلمانية في لبنان في خضم سوداوية وفساد الطبقة الحاكمة.

رابعاً) في البُعد الشعبي
للخلاص من الطبقة الحاكمة المستبدة المستقوية بسلاحٍ غير شرعي، ومن اجل ان تتحوّل المعارضة البرلمانية التي يقودها تكتل الجمهورية القوية اليوم، الى اكثريةٍ نيابية تتسلّم السلطة للنهوض بلبنان، لا بل من ان يتخلّى جزءٌ لا بأس به من الناخب اللبناني بشكلٍ عام، عن خوفه من السلاح اولاً، وعن عصبيته الطائفية ثانياً، وعن عقليته المنفعية ثالثاً، وذلك حتى يكون التصويت تبعاً للمشروع السياسي والمسار السيادي والاصلاحي التطويري النهضوي، لا تبعاً للعصبية الحزبو-طائفية او للخدمات والمنافع والواجبات الشخصية والضيقة.

فلو استطاع الناخب اللبناني عموماً، والناخب الشيعي خصوصاً التحرر من تلك القيود الثلاثة، لما تمكّن حزب الله من الاستحواذ على الفيتو التعطيلي داخل النظام، ولما استطاع التمدد انتخابياً لتعويم حلفائه الهزيلين في الطوائف الأخرى وتعطيل الفيتوهات المقابلة، ولاستطاع تكتل القوات مضاعفة عدد اعضاءه بما يمكّنه من الفعل اكثر فأكثر في الأحداث، وتوجيهها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، ولما جاء اليوم من يسأل عمّا يمكن لنواب القوات ال 19 فعله.

فلا يمكن للناخب اللبناني ان يزرع في ارضٍ ويسأل عن المردود في ارضٍ اخرى، كما لا يمكن لتكتل القوات التصرّف بأكثر ممّا هو ممنوحٌ لها بحسب الوكالة الشعبية، فبقدر ما تتسّع الوكالة بقدر ما تزيد فعالية نواب القوات، كما لا يمكنه السؤال عمّا يمكن لنواب القوات ال 19 فعله، في وقتٍ قام جزءٌ غير يسيرٍ منه بفعل كل ما هو مناقض لمسار خلاصه السياسي والاقتصادي بدءاً من سكوته عن الباطل وصولاً الى اقتراعه العصبي او النفعي او اللاواعي.

مع ذلك كلّه تبقى فعالية تكتل القوات اكبر بكثير من فعالية اي تكتل آخر، خصوصاً اذا ما قورنت بمردودها الايجابي على الصعيد الوطني حتى وان كان هذا المردود يأتي عن طريق مراكمة النقاط الواحدة تلو الأخرى، وخصوصاً ايضاً اذا ما قورنت بالكثير من الحركة بلا بركة التي تقوم بها بعض الكتل النيابية او رؤسائها، لمجرد تحصيل مكاسب خاصة او القول “انا اتحرك اذاً انا موجود” او ملىء الوقت السياسي المستقطع ببعض الاستعراضات الاعلامية، من دون اي امكانية تُذكر لإحداث اي خرقٍ ايجابي في جدار الأزمة السميك الذي قد يلزمه تحرك عربي ودولي وتحرك صندوق النقد الدولي، لانتشاله من مستنقع محور الممانعة امنياً ومعيشياً وتعطيلياً واقتصادياً، لا مجرد 19 نائباً لبنانياً اصيلاً مع حلفائهم يعملون كمحركات التوربو فوق طاقاتهم لانقاذ ما امكن انقاذه، على الرغم من المخاطر الأمنية وحملات الضخ الاعلامية، واختلال الموازين السيادية ومعاكسة الظروف السياسية والاقتصادية.

خامساً: على المستوى الشخصي
يُجمع معظم المراقبين على ان تكتل نواب القوات اللبنانية هو درّة تاج المجلس النيابي والحياة السياسية في لبنان كونه يضمّ اليه نخبة شخصياتٍ ووجوه نزيهة، متجردة، اصلاحية، سيادية، نظيفة الكف، معتدلة موزونة وناجحة في حياتها العملية والوطنية.
هذه النخبة تحمل في ذاتها بذور نجاح الادارة اللبنانية واصلاحها، وتطوير الحياة السياسية وإقامة الجمهورية القوية كما تدّل على ذلك تسمية تكتلّها، لو مهما كره الكارهون او شكك المشككون.

وبالتالي ليست هذه الطينة من الوجوه والشخصيات هي من يجب ان تُسأل عمّا تفعله اليوم،
ولا عن كيفية تسييل عدد نواب تكتل القوات ال 19 سياسياً، لأنه لو وُضع سواها في المكان الذي تقف عليه وضمن الظروف ذاتها المحيطة بها اليوم، لما فعل شيئاً على الإطلاق، ولرفع الراية البيضاء منذ زمنٍ طويل، ولاعطى اذنه للنصائح الكثيرة التي اتته من هنا وهناك بضرورة مهادنة الدويلة والتمتّع بمغانم السلطة اسوةً بمعظم الباقين، وبلا اوجاع رأسٍ ولا من يحزنون. وعندها على الدولة والشعب والحرية والسيادة الف سلامٍ وسلام.

من يجب ان يُسأل حقيقةً هذه الأسئلة هم رموز الفساد والتبعية في لبنان الذين يحاولون بشتّى الطرق والاساليب وضع العصي في دواليب نواب تكتل القوات ال 19 لافشالهم وافشال مشاريعهم، خشية ان يؤدي نجاح هذا النموذج وتوسعّه اكثر فأكثر الى ضمورهم السياسي هم بالذات. فأهمية نواب القوات ال 19 مع حلفائهم اليوم، تضاهي اهمية زوال الطبقة الفاسدة الحاكمة واستعادة الدولة اللبنانية سيادتها وازدهارها وعافيتها. فهل من فعالية واهمية اكثر من ذلك بعد؟

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل