على الرغم من الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية والقوى السياسية والشعبية، المتوجّسة والخائفة من وقوع قيادة الجيش في “مقتل الفراغ” الزاحف إليها، والمؤيدة للتمديد لقائد الجيش جوزيف عون لتجنُّب الانزلاق إلى هذا “الوضع القاتل”، يتفنَّن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في ممارسة كل صنوف الابتزاز والاستماتة ببذل كل الجهود لمنع التمديد للعماد عون. ويبدو باسيل غير آبه بكل التحذيرات والمخاطر المحدقة والمخاوف من انهيار الوضع الأمني، بل انهيار الوضع اللبناني برمّته، ويواصل لعبته المدمّرة مهما كان الثمن.
من المحزن أن تبدو بعض الأطراف الدولية والعربية حريصة على لبنان، وتعمل على مساعدته لتخطي أزماته وتجنيبه التورط في حرب غزة بشكل واسع يؤدي إلى دماره، أكثر من بعض الأطراف في لبنان، الذين تبقى مصالحهم السياسية والشخصية الضيقة المحرك الأساس لتعاطيهم في الشأن العام، ولو على حساب تعريض مصير لبنان لخطر عميم محدق. وليس تجنياً القول إن باسيل يأتي في طليعة هؤلاء الذين يتعاطون السياسة من باب المصالح والنكايات الشخصية، لا من زاوية الخدمة والخير العام.
من الواضح أن زيارات الموفدين الدوليين، وآخرهم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لو دريان قبل أيام إلى بيروت، وسط توقع بوصول الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني “أبو فهد” هذا الأسبوع، تأتي في إطار الاهتمام المتواصل بالوضع في لبنان، والمحافظة على قدر مقبول من الاستقرار ومنع انهياره بالكامل، والمساعدة على إخراجه من الأزمات التي تعصف به وتهدّد مصيره. من الأزمة الرئاسية وصولاً إلى الأزمة المتدحرجة المتعلقة بقيادة الجيش وخطر خلوّ مركز القيادة بعد 10 كانون الثاني المقبل، وما يعنيه ذلك من سيناريوهات مخيفة محتملة لا يمكن تصوّرها بظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة وعلى الحدود الجنوبية”.
المحلل السياسي أسعد بشارة، يرى أن “مهمات الموفد القطري “أبو فهد” والموفد الفرنسي لو دريان، تتقاطع على محاولة الضغط من قبل مجموعة الدول الخمس في ملفات عدة: الملف الأول هو الملف الرئاسي، ويبدو أن الأمر لم يحمل أكثر من موقف مبدئي بتأييد الخيار الثالث. والملف الثاني، وهو التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون باعتباره ضرورة وطنية للاستقرار، والقادر على تأمين تماسك المؤسسة العسكرية والتهيئة لتنفيذ القرار 1701، وبالتالي هناك توجه من هذه الدول لتحذير لبنان من أن عدم تطبيق القرار 1701 سيؤدي إلى احتمال تعرّضه لمواجهة في الجنوب مع إسرائيل”.
بشارة يشير، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “هناك محاولة من قبل بعض الأطراف في الداخل، وفي طليعتها التيار العوني، إلى منع التمديد لقائد الجيش بأي ثمن. وذلك، عبر الإيحاء بأن هذا التمديد سيؤدي إلى تمديد الفراغ الرئاسي”، لافتاً إلى أن “باسيل يحاول عبر علاقته بقطر، وعبر إيصال أجواء مغلوطة إلى الأميركيين، بأن يصور التمديد للعماد عون هو بمثابة تجميد للاستحقاق الرئاسي طوال فترة التمديد إن حصل”.
يضيف: “هذا ابتزاز واضح لمحاولة وقف الدينامية الدولية والعربية المؤيدة لبقاء العماد عون على رأس قيادة الجيش، كون باسيل يدرك تماماً أن هناك توجهاً لدى رئيسَي مجلسي النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لإتمام هذا التمديد، المدعوم من غالبية الكتل البرلمانية. لذلك، باسيل يحاول تطويق التمديد للعماد عون بكل السبل”.
بشارة ينوّه، إلى أنه “من الواضح أن هناك سعياً دولياً وعربياً لتفادي تعريض لبنان لخطر الحرب، عبر تطبيق القرار 1701 كما هو بما نصّ عليه، خصوصاً منطقة جنوب نهر الليطاني”، مشيراً إلى أن “هذا المسعى يترجَم على شكل زيارات لهؤلاء الموفدين وغيرهم. ذلك أن خطر انتقال الحرب إلى لبنان بشكل شامل، لم يعد مجرد احتمال، فهو أصبح خطراً جدّياً نظراً لتداعيات الحرب في غزة”