ثمة شبه إجماع بين الخبراء الاقتصاديين والماليين على أن مشروع الموازنة العامة للعام 2024 الذي أقرّته حكومة تصريف الأعمال وأحالته إلى المجلس النيابي، مجرد فذلكة تشغيلية للدولة أساسها فرض المزيد من الضرائب والرسوم ومضاعفة بعضها إلى مستويات تصل إلى 40% لتأمين تشغيل عجلة الدولة وسدّ العجز. وهذه النقطة تحديداً تثير مخاوف الخبراء لناحية مصادر تغطية العجز والتأثيرات المحتملة على سعر الدولار، مع استبعاد سدّ العجز من تحصيل الضرائب المرتفعة، إذ يتوقعون المزيد من التهرب الضريبي واستفحال التهريب عبر المنافذ البرية والبحرية والجوية، وبالتالي ستلجأ الحكومة للضغط على مصرف لبنان للسحب من احتياطي الدولار.
مصادر مالية واقتصادية تنوّه عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الأسواق المالية والتجارية تسجل منذ أشهر انتظاماً واستقراراً معيناً، على وقع استقرار سوق الصرف وانضباط سعر الدولار. فالأسواق تأقلمت وتكيّفت مع هذا الاستقرار الذي يشهده سعر صرف الدولار، والذي ساعد في تحقيقه خلال هذه الفترة تدفّق الدولارات إلى لبنان خلال موسم الصيف الفائت الذي شهد حركة مزدهرة ونشطة”.
المصادر ذاتها، تشير إلى أن “السياسة التي اعتمدها مصرف لبنان في الأشهر الماضية، من خلال تجفيف السوق بنسبة معينة من الكتلة النقدية، مع مراعاة عدم خنق الاقتصاد، نزعت من أيدي المضاربين أداة مهمة يستعملونها لشراء الدولار والتهافت عليه. بالتالي، يمكن القول بأن البنك المركزي نجح، حتى الآن، في عملية الموازنة بين الكتلة النقدية بالليرة وكمية الدولارات المطلوبة في السوق لمختلف الأعمال التجارية، فضلاً عن استمرار دوران عجلة الدولة”.
تضيف: “أكثر من ذلك، تمكن مصرف لبنان من جمع نحو 500 مليون دولار وإضافتها إلى احتياطه النقدي خلال الأشهر الماضية، من خلال عملياته المالية. وعملياً، البنك المركزي هو اللاعب الأكبر اليوم في سوق الصرف ويسيطر إلى حدٍّ كبير على لعبة الدولار”، لافتة إلى أن “البنك المركزي كان يشتري الدولار طوال الفترة الماضية، إنما بطريقة منظمة وهادئة ومضبوطة، مكَّنته من الحفاظ على استقرار سوق الصرف وسعر الدولار عند حدود الـ90 ألف ليرة”.
أما عن مخاوف الخبراء من أن تؤدي الموزانة العامة للعام 2024 إلى هزّ الاستقرار القائم في سعر الدولار، بحال أقرّت في المجلس النيابي من دون تعديلات جوهرية عليها؟ توضح المصادر المالية والاقتصادية، أن “الخوف من تأثير الموازنة العامة المطروحة على سعر الدولار، يتأتَّى من توقع عدم تمكن الحكومة من تغطية عجز الموازنة من استيفاء الضرائب والرسوم”.
برأي المصادر عينها، أنه من “الصعب جداً أن تتحقق الإيرادات المتوقعة في مشروع الموازنة العامة المطروح. فلا يمكن وفق أي رؤية اقتصادية توقع تحصيل إيرادات في اقتصاد منكمش، ووضع سياسي مقفل ومأزوم من دون أفق، ومخاطر أمنية مرتفعة، من خلال رفع الضرائب والرسوم، لأن ذلك يؤدي حكماً إلى التهرّب الضريبي والتهريب أكثر”.
“هنا بيت القصيد”، وفق المصادر نفسها، التي تسأل: “من أين سيغطى العجز الذي يتوقع أن يقارب الـ18 تريليون ليرة؟. فبعض الشركات والمؤسسات سيتهرّب حكماً من تسديد الضرائب العالية لعجزه عن ذلك في ظل الانكماش الاقتصادي، فيما شركات أخرى ستقفل ولن تتمكن من الاستمرار، في حين سيستفحل التهريب. بالتالي، الخوف من أن تكون العين على الاحتياطي المتبقي لدى مصرف لبنان من الدولار”.
“من هنا الخوف من تكثيف الضغوط على مصرف لبنان لتغطية عجز الموازنة تحت حجج وذرائع عدة من قبيل عدم انهيار الدولة بالكامل وما شابه، ما سيرخي بانعكاسات مباشرة على سعر الدولار. علماً أن حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري متمسك بقراره عدم تمويل عجز الدولة، لا بالليرة ولا بالدولار، ولم يرضخ حتى الآن على الرغم من الضغوط، إذ يدرك تماماً أن العودة إلى سياسة تمويل عجز الخزينة سيدفع سعر الدولار إلى الفلتان، ويبدو أن منصوري لن يتراجع”.