خاص – الإنسان وصراعات الشرق العربي المشتعلة

حجم الخط

ما يجري اليوم في قطاع غزه وما تقوم به إسرائيل من أعمال قتل مروعة للمدنيين وتدمير لكافة معالم الحياة في القطاع وحاولة تطبيق سياسة الترحيل المبطنة لأبناء الأرض، هو استمرار لما بدأ في سوريا من إستعمال السلطة الحاكمة بمواجهة أبنائها للقوة الغاشمة والقاء البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية واستعمالها السلاح الكيماوي، مما أدى إلى قتل عشرات الآلاف وتهجير الملايين من شعبها واعتمادها سياسة التطهير والإبعاد، في ظل شبه سكوت أو عجز عربي ودولي، وبمباركة ومشاركة روسية وإيرانية، وموافقة وتواطؤ إسرائيلي للإبقاء على النظام المرتكب في سوريا، تمهيدا على ما بدا، لقيام الأول بإرتكابات مماثلة بحق الشعب الفلسطيني، لدرجة اقتنع كثر أن الضمير العالمي المتمثل بالأمم المتحدة قد دخل من ذلك الحين في موت سريري بطيء سوف لن ينجح بالخروج منه سالما.

إستغلال حالة موت الضمير العالمي.

إستمر اللجوء للقوة في اليمن، حيث وصلت تعاليم الثورة الإسلامية الإيرانية، فكان الإنقلاب الدموي والإقتتال المستمر الذي تبعه، حيث دفع المدنيون غاليا أثمان الأعمال الحربية.

أيضا وفي السياق عينه، كان الحشد العسكري الروسي بإستعراض مؤلل فاقع في جورجيا، امتد لينفجر في أوكرانيا التي فرغت من أبنائها تحت وابل من تصفيق محور الممانعة، وامتد اللجوء للقوة بمواجهة المدنيين إلى إقليم كاراباخ بمباركة تركية.

وبعد تجربة محور الممانعة ومن خلفه باعتماد سياسة هيمنة القوة دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين، انتشرت هذه السياسة لتطال هذه المرة فرقاء من المحور عينه في غزة وفلسطين إجمالا.

تشرذم القرار والصحوة السعودية.

وكان قد رافق هذا التراكم في الأحداث، تشرذم في القرار العربي والدولي وتدخل فارسي فاقع بالشؤون العربية والقضية الفلسطينية، وتغذية إيران المتقدم لأذرعها في العالم العربي، ومع تراجع مقصود للدور الأميركي، اتخذت السعودية مع ولي العهد، قرارا بتغيير المعادلة التقليدية القائمة وسياسة الحلقة المفرغة التي يدور فيها العرب، وقررت الإنتقال من سياسة الإنكفاء أمام النزاعات المتأججة، إلى سياسة الإقدام لتصفير الخلافات، فگانت بداية التحاور مع إيران، والتحضير للخروج من الإنغلاق الفكري والتراخي السائد إلى إنفتاح إقتصادي أساسي نشط بدأ مع الصين وكان مقررا أن يصل لإسرائيل بشروط قيل انها كانت سوف تصل لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، سارعت إيران لإجهاضه عبر  طوفان الأقصى.

الخطة السعودية وردة الفعل الإيرانية.

إستشعرت إيران خطورة ما ورطها ولي العهد السعودي به، من سياسة إنفتاح فكري وإقتصادي وتصفير للخلافات، في حين أنها تعتمد بنقيض ذلك، على فكر نشر الثورة وتغذية النزاعات بواسطة أذرعها في الوطن العربي، وتمويل الأذرع للتحضير للحروب بدل تنمية مجتمعات هذه الأذرع والإنسان فيها، وأستمرارها بالمعاداة العقائدية-المصلحية لأميركا وإسرائيل والغرب، لوصول إيران إلى أفضل الشروط الممكنة في أية مفاوضات تجريها أميركا والغرب معها.

لم تتوقف إيران يوما عن نشر فكر إسلامها الثوري، فبموازاة اليمن كان دعم مستمر  لحزب الله وحركة حماس،  ظهر  واضحا في التحضير الحمساوي لمعقله، من إنشاء للأنفاق ولتصنيع الصواريخ والتدريبات وصولا لوضع الخطط العسكرية والتنسيق في غزة كما في لبنان، هذا الدعم لم يتوقف على الرغم من محاولات قطعه بالحصار وبالسيطرة المالية في غزة وبالضربات الإسرائيلية في سوريا لشرايين الإمداد الإيراني.

أميركا وسياسة الجزرة والعصا.

في خضم هذا البحر الهائج من الصراعات والمخططات والتحضيرات العسكرية على الأرض، إستمرت الولايات المتحدة باعتماد مخططاتها القديمة في المنطقة دون إدخال أية تحسينات عليها، وذلك بتعاملها إن جهارا أو سرا مع الفريق الأقوى في أي صراع، عبر سياسة الجزرة والعصا. لكن المفارقة مؤخرا، أن هذه السياسة لم تعد ناجعة للسيطرة والتوجيه، في الشرق الأوسط فلا الجزرة الأميركية أصبحت مغرية في مواجهة التوجهات العقائدية التي تم تشييعها في المنطقة كما لم تعد ناجعة بسبب اعتماد مجموعات عديدة على التمويل الذاتي عبر شبكات عالمية معقدة، أو عبر دول معلوم دورها في تمويل مجموعات هنا وهناك.

كما أن العصا الأميركية التي صدأت منذ آخر اعتماد لها في اجتياح العراق وإنهاء نظام صدام، لم تعد تشكل تهديدا جديا للعديد من الخصوم، خاصة بعد قرارها الانسحاب من صراعات المنطقة في العراق وأفغانستان وابتعادها عن الدخول في مستنقعات القتال،  أيضا كون المجموعات المسلحة أخذت منذ زمن خيار التسلح والتحضير العسكري الجدي، واعتمدت الغطاء الجغرافي والديموغرافي والتحالفي لتشكيل ما امكن من معوقات جدية لأية عمليات تدخل عسكري من آلة الحرب الأميركية أو من حلفائها.

التحول الأميركي في حماية مصالحه.

لكن قرار العم سام الإبتعاد عن الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، ما لبث أن تبدل فجأة، وحضرت الآلة العسكرية الأميركية الضخمة بسرعة مخيفة إلى بحار المحيط الشرق الأوسطي، أثر عملية طوفان الأقصى والته‍ديد الجدي الذي أحاط بالدولة العبرية من الداخل والخارج.

لكنه وعلى الرغم من عودة الولايات المتحدة للتهديد بالخيار العسكري، وبالرغم من القتال الدامي في غزة، فإن معلومات تتسرب، بإستمرار الإدارة الاميركية كعادتها، بفتح قنوات تواصل سرية مع الغريم الإيراني، للوصول لإتفاقات، للجم التدهور الحاصل في المنطقة وربما امتد التفاوض ليصيب مواضيع عالقة أوسع. وعلى ما يبدو ان السباق قائم بين الحل العسكري والحل الدبلوماسي ولم يتبين بعد على حساب أي فريق أو دولة سوف يأتي، لكنه من المؤكد أن الشعوب هي التي تدفع في غالب الأحيان الأثمان الباهظة، كما في بلورة فكر وحدة الأمة الجرمانية، في الحرب العالمية الثانية، ولأن الإنسان في الشرق العربي لم يكن يوما قيمة بذاته بل مجرد جزء صغير من الأمة الواحدة، وأداة لتنفيذ مشاريع مختلفة يطلق عليها البعض صفة إلألوهية، تسعى لشيطنة الآخر.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل