حجوزات للنازحين اللبنانيين وحركة تموين وتخزين

حجم الخط

كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1747

موسم سياحي على وقع طبول الحرب

حجوزات للنازحين اللبنانيين وحركة تموين وتخزين

 

حتى السابع من تشرين الثاني الماضي كان العام 2023 الأفضل حركةً في الاقتصاد والأقل انكماشًا منذ نهاية العام 2019 عند بدء تدحرج القطاعات الاقتصادية والعملة الوطنية وتفكّك المؤسسات. ومنذ زج لبنان في أتون الحرب دعمًا لغزّة تبدّلَ المشهد وتحوّل ذاك النمو ركودًا وحركة القطاعات تراجعًا، لا بل خوفًا من توسّع الحرب إلى أكثر من مناوشات ما يعني بحسب الاقتصاديين إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من نبض وما تجمّعَ من آمال. تراجعَ الاستهلاك، تأثّرَ التصدير، أُلغِيت الحجوزات، فَرغَت المطاعم، وراحت الأسواق التي كانت تتطلّع إلى موسم الأعياد، تطوي على جراح ما أبرأها الوقت وتخشى أن تزيدها الأحداث التهابًا.

أورد قسم البحث والتحليل الاقتصادي في “بنك بيبلوس” أنّ لبنان حقق عام 2023 موسمًا سياحيًا مُميّزًا، مشيرًا إلى أنه منذ الشهر الأول من السنة ولغاية التاسع منها، زار لبنان 3 ملايين و600 ألف سائح (62 في المئة منهم من المغتربين). وأشار إلى أنّ هذا العدد الإجمالي للزوار يُمثل ارتفاعًا بنسبة 23 في المئة عن عدد السياح الذين زاروا لبنان عام 2022 في الفترة نفسها.

وكان لبنان حقق إيرادات مباشرة من السياحة في العام 2022، بلغت 5 مليارات و300 مليون دولار. وكان من المتوقّع أن يزيد هذا المبلغ في العام 2023 بنسبة مهمّة لولا الأحداث والتوترات الأمنية المندلعة في الجنوب. وقد حصدت تلك الأحداث، حتى الساعة، 88 شخصًا بينهم عشرة مدنيين، ما أشاع عدم اطمئنان بين الناس انعكس سلبًا على حركة الإقبال على المطاعم والملاهي والأسواق، وكذلك على نسبة إشغال الفنادق مع انعدام حركة الوافدين من الخارج.

 

من غزّة إلى لبنان

الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجّاقة فنّد لـ”المسيرة” حركة الأرقام والأثر الذي تركته أحداث الجنوب قائلًا: “مما لا شك فيه أن الارتباط بين السياسة والأمن من جهة والاقتصاد من جهة أخرى هو ارتباط عضوي. فأي تردٍّ على الصعيد السياسي أو الأمني ينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي المتردّي أصلًا في لبنان نتيجة الأزمة المُتعدّدة الأوجه التي يُعاني منها منذ العام 2019.”

واعتبر أنّ “العدوان الإسرائيلي الذي يطال جنوب لبنان له تدعياته الاقتصادية وبالدرجة الأولى على صعيد الثقة التي أساسها ستّة عناصر: الثبات السياسي، الثبات الأمني، احترام القوانين، وجود قوانين تواكب التطور العصري، خطّة اقتصادية، ومحاربة الفساد. وبالتالي فإن الضرر الناتج عن الاعتداءات الإسرائيلية هو ضرر على صعيد الاستثمارات مما يعني تراجع النمو الاقتصادي، ولكن أيضًا على صعيد السياحة التي يُمكن الجزم بأنها فقدت موسم الشتاء وأعياد آخر السنة ناهيك عن الخسائر التي تطال البنى التحتية التي تستهدفها ماكينة القتل الإسرائيلية. أيضًا هناك ضرر على أهالي الجنوب من ناحية مواسم القطاف وجني المحاصيل وخصوصًا التبغ، إذ إن كل المناطق الحدودية لا تستطيع قطف المحصول وهو ما يعني زيادة الفقر والتهجير في هذه المناطق”.

وختم عجاقة: “يبقى القول إن الواقع الجيوسياسي القائم سيكون له ثقله في اللعبة الاقتصادية سواء في لبنان أو في المنطقة. وهو ما لن يتأخر في الظهور عند التوصّل إلى اتفاق أوّلي على وقف إطلاق النار في غزّة، إذ من المتوقّع أن تتوضّح أكثر صورة المسار الاقتصادي في الشرق الأوسط ككل”.

ما يدعم كلام عجاقة توقعات ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية أن تُضر الحرب في غزة السياحة الإقليمية وخاصة في لبنان ومصر والأردن. وقدّرت المؤسسة أن انخفاض إيرادات السياحة في لبنان يمكن أن يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 10 في المئة. وأشارت وزارة السياحة إلى أن عدد السائحين إلى لبنان كان قد بلغ 1.46 مليون سائحًا في العام الماضي بارتفاع 64.7 في المئة عن العام 2021.

 

إن وقعت الحرب!

يتفق المراقبون على أن دخول لبنان في حرب جديدة واسعة النطاق، ستكون له تداعيات كارثية على ما تبقى من الاقتصاد الوطني، فلبنان وفي وضعه الراهن، غير قادر على تحمّل كلفة إعادة إعمار البنى التحتية إذا تعرّضت للقصف، كما أن مقومات الصمود وإعادة النهوض من النكبات باتت أضعف مما كانت عليه من قبل. وخلال الأسابيع الستة من الحرب حتى اليوم، كان التراجع كبيرًا في سائر القطاعات تقريبًا. وتُظهِر الأرقام حجم التأثر بالمناوشات الحاصلة في الجنوب. ويقول الاقتصاديون إذا كان هذا الرقم الكبير المسجَّل في الخسائر لمجرد اشتباكات لا ترقى إلى الحرب، فكيف إن تم إدخال لبنان في حرب فعلية ستودي به حتمًا إلى الانهيار؟

وتشير الأرقام إلى أن قطاع الفنادق سجل تراجعًا كبيرًا حيث تُقدَّر نسبة الإشغال حاليًا بين 5 و10 بالمئة، في حين أن هناك فنادق باتت شاغرة تمامًا. وسجل قطاع المطاعم انكماشًا لافتًا في الفترة المذكورة حيث تراجع حجم الأعمال بين 80 و90 في المئة. وفي قطاع الفعاليات والمؤتمرات تمّ إلغاء معظم الحجوزات والنشاطات. فيما سجّل قطاع تأجير السيارات تراجعًا فاقت نسبته الـ 90 في المئة. وسجّل القطاع الصناعي تراجعًا بنسبة راوحت بين 30 و35 بالمئة. أما حركة السفر عبر المطار فسجلت انخفاضًا بحركة الوصول بلغت نسبته 33 في المئة في الأيام العشرة الأولى من شهر تشرين الثاني، وارتفاعًا بحركة المغادرة بنسبة 28 في المئة سواء بسبب إلغاء الحجوزات ومغادرة السياح أو سفر الرعايا والعاملين الأجانب الذين دعتهم حكوماتهم إلى مغادرة لبنان على خلفية التوترات في الجنوب.

حتى قطاع التأمين شهد إنكماشًا في البوالص على البضائع استيرادًا وتصديرًا، إضافة الى توقف الزبائن عن تسديد الأقساط للشركات، نتيجة توجه اللبنانيين للاحتفاظ بالسيولة. أما القطاع الوحيد الذي سجّل نشاطًا ملحوظًا زاد عمّا كان عليه من قبل، فهو القطاع التجاري الذي شهد طلبًا على المواد الغذائية والمواد الضرورية اليومية، نتيجة توجه المواطنين إلى تخزين تلك المواد والسلع خوفًا من حصول الأسوأ، وهذا نتيجة أخرى سلبية لعامل الحرب. وما تراجع الطلب على بعض السلع كالكماليات وبنسبة راوحت بين 50 و70 في المئة، إلا دليلًا على ما أشاعته أحداث الجنوب من قلق وانعدام للثقة بالمستقبل.

عن هذا الواقع يتحدث نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر بحسرة كبيرة. ويقول لـ”المسيرة”: “اشتغلنا سنتين لوضع البلد على الخارطة السياحية ونجحنا، وما إن بدأت الحرب حتى طارت الحجوزات وطار كل شيء. بسبب التوترات وما يمكن أن تجرّ إليه الأحداث منعت الدول رعاياها من المجيء إلى لبنان، وطلبت مغادرة من هم فيه، وهذا يعني، بحسب خبرتنا، أن قصتنا طويلة، لأن من يغادرون لا يعودون فور انتهاء الحرب أو الأخطار المهدِّدَة للأمن، بل يأخذ الأمر وقتًا وجهدًا كبيرين”.

هل من بدائل أو إجراءات طارئة يمكن اتخاذها للحد من الخسائر أو لإبقاء الأكسيجين مؤمَّنًا ريثما تكون قد عبرت العاصفة؟ يجيب الأشقر بأن “الاتكال الوحيد هو على المغتربين، لكن حتى هذا الباب ليس مضمونًا. فنحن في وضع أمني ولا يمكننا فعل شيء، وهو ليس كالجائحة أو التظاهرات أو العوامل الاقتصادية والنقدية التي حاولنا تخطيها ونجحنا. راح كل شيء وبات مؤكدًا أن لا مفرّ من الخسائر. وقد بدأنا تخفيف أعداد الموظفين في بيروت وجبل لبنان ولا سيما في فنادق الأطراف. وهناك فنادق باتت شاغرة تمامًا من النزلاء”.

وفي السياق عينه اعتبر نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي أن قطاع المطاعم تأثّر كثيرًا بالأحداث الحاصلة في الجنوب وتراجع الإشغال في شكل كبير. وقال لـ”المسيرة”: “نحن نعيش اليوم بين حربين: الحرب الباردة الحاصلة حاليًا وهي تؤدي إلى استنزاف العاملين في القطاع من غير مردود، والحرب الساخنة إذا حصلت وعندها تكون الكارثة الكبرى قد حلّت. فخلال الأسبوع باتت الحركة أقل بنسبة 70 إلى 80 في المئة، أما في عطلة نهاية الأسبوع فتشهد المطاعم بعض الحركة المحلّية والتي لا تُعتبَر كافية بل استنزافية، لأن المطعم عندما لا يعوّض الكلفة التشغيلية يكون في حال استنزاف. فالكلفة التشغيلية والمعاشات كلها باتت مدولرة وحافظنا على الحقوق وتمكنّا من خلق 25 ألف وظيفة في فترة الصيف”.

ورأى أن “هذه الحرب لم يُحضَّر لها ومن دون رؤية واستنزافية. وإذا ذهبنا إلى الحرب الساخنة فهناك الكارثة والضربة القاضية لأنها ستدمّر البنى التحتية وتقضي نهائيًا على القطاعات وعلى أي أمل في الاستفادة من موسم الأعياد. وهذا الأمر سيضع لبنان خارج الخارطة السياحية في المنطقة”.

وردا عن سؤال حول إمكانية أن تساهم وفادة المغتربية في فترة الأعياد بتحريك الوضع، يقول: “إذا انتقلنا إلى الديبلوماسية ووقف المدفع فإن المغترب يأتي بسهولة ويمكن لذلك أن يعوّض بعض الخسائر لأن المؤسسات ما زالت موجودة وأربابها حاضرون، أما إذا لم تتوقف الحرب فالأمل في ذلك ضئيل جدًا لأن الناس قلقون”. وناشد الجميع “تحييد القطاع السياحي لأنه قاطرة لكل القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى، فعندما يعمل يشغّل معه سائر القطاعات”.

 

وماذا بعد…؟

يحصل كل ذلك، بعدما كان طائر الفينيق ذاك بدأ ينهض من رماده وينفض عن أجنحته غبار الأزمات المالية والصحيّة والسياسية وكل ما لحق بالمؤسسات من تفكك. فعوامل عديدة مجتمعة، إضافة الى استقرار سعر الصرف ابتداءً من آخر شهر آذار الماضي، أدت الى نمو إيجابي في العام 2023. وقدّرت ستاندرد آند بورز في دراسة تحليلية النمو المحقق في لبنان بـ 2 في المئة لغاية السادس من تشرين الأول الماضي عشية انتكاس الوضع. ولكن بعد السابع من تشرين الأول، قلبت الحرب المشهد والحسابات.

ومع أن العديد من القوى السياسية اللبنانية والرأي العام المحلي والمساعي الدولية ناشدت “الحزب” تحييد لبنان وعدم زجه في حرب لا طائل له منها وليس مستعدًا بكل المقاييس لخوضها مما يودي به إلى كارثة، إلا أنه لم يكترث وتابع العمل بموجب أجندته الخارجية لا بموجب مصالح البلد وقطاعاته ومؤسساته.

وثمّة من يؤكّد أن النمو الذي كان قد تحقّق، سيكون الوضع الحالي بين اللاحرب واللاسلم كفيلًا بنسفه وإعادة البلد إلى الركود والخسائر. أما في حال تم توريط لبنان في حرب لم تقررها سلطاته الشرعية ولا تخوضها قواه العسكرية ولم يتهيأ لها مجتمعه، فإن النتائج ستكون أفظع من المتخيَّل ليس فقط على صعيد تدمير البنى التحتية وتحلُّل القطاعات والخسائر المادية، بل أكثر على الصُّعُد المعنوية والنفسية، حيث سيغادر من المؤسسات من استطاع وسيهاجر من اللبنانيين من لم يكن قد تمكّن منه اليأس بعد. وستبقى تلك الأرض المحروقة مجرّد ميدان أسود لإطلاق الشعارات البائدة!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل