كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1747
من يُحاول تحديد موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحقيقي والثابت من أحداث غزة، يحتاج إلى جماعة من المحللين والعرّافين من ذوي الخبرة، إذ يتنقل الموقف الإيراني الرسمي بين الشاجب والمؤيد للحرب، وبين الداعي للدعم المعنوي وذاك الداعي للمشاركة في توسيع جبهات القتال ضد إسرائيل.
لا يثبت الموقف الإيراني الرسمي أكثر من حفنة من الأيام على رأي واحد. فهو كالبورصة أيام الاضطرابات، تعلو حيناً وتخفت أحياناً أخرى على وقع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس.
بعد يوم واحد من عملية “طوفان الأقصى” التي دخلت فيها حركة حماس غلاف قطاع غزة وقتلت مئات الإسرائيليين، قال وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده “لا تريد اتساع رقعة حرب غزة”، ثمّ عاد وأشار بعد أيام خلال زيارته لبعض دول الشرق الأوسط إلى أن “احتمال توسيع الحرب وارد”، ليعود وينتهي به القول في الخامس من تشرين الثاني إنّه “لا يُمكن تجنّب تصعيد الحرب في المنطقة في هذه الظروف”.
موقف وزير الخارجية الإيرانية لا يتماشى مع تطوّر الظروف إنما مع المكان الذي يقول فيه ما يقوله. إن صرّح لوسيلة إعلامية عربية زاد من تشدد موقف بلاده، أما إذا كان يُصرّح في الأمم المتحدة أو لوسيلة إعلامية غربية لان موقفه قليلاً. هذه السذاجة في الموقف لا تشير إلى المكر والرياء في التعاطي الدبلوماسي والسياسي فقط، بل إلى ضياع الموقف الجدي والحازم من الجانب الإيراني. انتهى زمن رفس إسرائيل و”رميها في البحر” وهزيمة “الغدة السرطانية في جسد الأمة” بـ”سبع دقائق”، بل بات الموقف الإيراني الرسمي أكثر واقعية ويشوبه الكثير من الضياع والتردّد.
أما موقف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، فيبدو فاتراً وبسيطاً وأشبه بموقف ناشط في مجال حقوق الإنسان، إذ دعا إلى “وقف التجارة مع إسرائيل بما في ذلك النفط”، ومن دون أن يتطرّق إلى ما هو أبعد من ذلك. فيما قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني إن “دعم بعض الدول الأوروبية لإسرائيل سيؤدّي إلى إثارة غضب المسلمين”.
اختفت المواقف العالية النبرة عن ألسنة المسؤولين الإيرانيين، فلا تهديدات جدّية ولا مواقف تصعيدية، بل ميل إلى التروي والواقعية وتقديم المساندة المعنوية لحركة حماس وقطاع غزة، أو ما تبقى منهما. هذه الانهزامية الإيرانية مردّها الخوف من الولايات المتحدة الأميركية لا من إسرائيل فقط، والتي أظهرت دعماً سريعاً وكبيراً لهذه الأخيرة منذ اليوم الأول لبداية الحرب، وبعد الموقف الصارم من الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه “ستتمّ معاقبة أي دولة تتدخّل في الصراع الدائر بين إسرائيل وغزة”.
قد يكون أمين عام “الحزب” حسن نصرالله صادقاً عندما قال في خطابه الأول إلى أنه وحزبه وراعيه الإقليمي لم يكونوا على دراية بتوقيت عملية “طوفان الأقصى”، وبالتالي جبهة الجنوب “هي جبهة تضامن” مع الفلسطينيين لا أكثر. يكتفي “الحزب” إذاً بـ”زكزكة” إسرائيل على سبيل رفع العتب بأن “محور المقاومة” يشترك في القتال، لكن من دون أن يكون لهذا الأمر أي تأثير على ما يجري في قطاع غزة والاجتياح الإسرائيلي له.
فإن كان قتال “الحزب” ومن خلفه إيران هدفه وقف التقدم الإسرائيلي في قطاع غزة، فإن هذا الأمر لم يحصل، ولم تؤثر صواريخ “الحزب” الكثيرة في تخفيف الاندفاعة الإسرائيلية. فما غاية المواجهات جنوب لبنان إذاً إن كانت لا تثمر أي استفادة في الميدان العسكري والسياسي؟ أهي لرفع العتب فقط؟ أم للقول للجمهور إننا، كـ”الحزب” وإيران، موجودون وشركاء في الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي؟ أم غايتها دخول إيران كشريك في أي حلّ سياسي يختم الحرب في قطاع غزة، فتحصد طهران بعض المكاسب مقابل السكوت عن تسوية قادمة؟
كل ذلك وارد، فيما لا تبدي إيران أي ميل لحركة متهوّرة حتى الآن، طالما هي متيقنة أن الدخول جدياً في المعركة فيه الكثير من المخاطر والمحازير، كما لمعرفتها أن حركة حماس قادرة على الاستمرار بعد الحرب طالما أغلب قياداتها السياسية تقيم خارج فلسطين. لكن الموقف الإيراني الحذر لن يبقى كذلك إلى الأبد، إذ إنها قد تكون مجبرة على الدخول الجدي في الحرب عبر ذراعها اللبنانية، هذا إن تيقنت أن حركة حماس قد شارفت على الانحلال والزوال، وهو الهدف الإسرائيلي المعلن والأساسي على جميع الأحوال.
إن “الخط الأحمر” الذي وضعته إيران هو بقاء حركة حماس، فإن تيقنت أن التطورات الميدانية والسياسية ستؤدي إلى زوال الحركة، ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً مضطرة للدخول في المواجهة ومن ثم المساومة على بقاء الحركة مقابل وقف إطلاق النار والمواجهات. إن قيمة حركة حماس بالنسبة لإيران هي أنها الأداة الوحيدة لتكون شريكاً في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بينما للدول الأخرى الكثير من الأدوات المتعددة، وجلّها في الضفة الغربية.
لا تكترث إيران إن دُمر قطاع غزة، ولا إن احتلته إسرائيل ولا إن مات آلاف الناس، جلّ ما تكترث له هو بقاء حركة حماس على قيد الحياة لتتمكن من المحافظة على دور لها في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. إلا أن الخيار القادم الصعب على القيادة الإيرانية هو البحث في إمكانية الدخول في الحرب إن شعرت أن حركة حماس شارفت على الانحلال، مع ما يستتبعه ذلك من اندلاع حرب لا قدرة لإيران على استيعابها، خصوصًا وأن أساطيل الولايات المتحدة الأميركية باتت منتشرة في المنطقة وقادرة على إحداث ضربة مؤلمة لطهران. الخيار الإيراني القادم هو الفيصل في تحديد شكل الصراعات في المنطقة، فإما السكون والركون إلى التصريحات حصراً ومشاهدة حركة حماس تتناثر، وبالتالي خروج إيران من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإما المخاطرة بشن حرب ما قد تؤدي إلى إيلام النظام الإيراني ككل.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]