..ونبقى

حجم الخط

كتب أنطوان نجم في “المسيرة” ـ العدد 1747

في أزمنة الاسترخاء والأهداف المحققة، ننسى أنّ الشعوب تمرّ بصعود وهبوط، ونجاح وفشل، وفرح ومآسٍ.

ليس في حياة الشعوب خطّ تصاعدي دائم. خطُّ حياتها متعرّج، يلتوي بين أبعاد المكان والزمان. يشوبه الإقدام والانكفاء، والسرعة والبطء، ولحظات الجمود والغليان…

فمن تصوّر أنّ الظروف تضحك له أبداً، أو تعبس في وجهه دوماً، أخطأ كلّ الخطأ، وبَعُدَ من معرفة التاريخ وجهله ما يمكن أن تحمله الأيام الآتية.

من الضروري أن نُتْقن قراءة الأحداث في حال كنّا ملتزمين قضايا مجتمعنا وحاملين همومه. أنّ من قِيَم الالتزام ألا نسكر يوم النصر، ولا يُغمى علينا يوم الهزيمة. وبراعة الإفادة من السنوات العجاف تحاكي في أهميتها حسن الإفادة من سنوات الخصب، وهما، كلتاهما، قادرتان على تثمير بنيان المستقبل وإقامته على دعائم صامدة.

تجول في بالنا هذه الخواطر ونحن نرى أكثر من جماعة من أبناء مجتمعنا يائسة، محبطة، متقزّزة من كلّ ذي علاقة بالشأن السياسيّ، مستقيلة من الوجود الفاعل المؤثّر.

لهؤلاء الإخوة والأبناء نقول:

1 ـ علينا أن نتشبّث بأرضنا. فالهجرة هي أخطر ما يهددنا، إنّها تضعفنا عدداً وقدرات تخلق فراغاً. والفراغ يملؤه سوانا على حسابنا، بالهجرة تزول قضيتنا، وقضيتنا مرهونة ببقائنا هنا، بتشبّثنا بأرضنا لا في الاجتماع في الخارج.

الهجرة نزيف يستلّ منّا الحياة على مهل وعلى نحو مؤكّد. الهجرة ليست الموت فحسب، بل هي الاضمحلال، فكم كبيرة خطيئتنا إذا سمحنا بالهجرة، وكم هي أكبر إذا شجّعناها، فننهي وجودنا بإرادتنا ووعينا.

وفضلاً عن ذلك، فإنّ للمسيحيين دور شهادة للمسيح في هذا الشرق. انكفاؤهم عنه هروب وخيانة وتنكّر لإيمانهم. جذورنا في هذا الشرق أعمق ممّا نتصوّر، إنّنا جزء أصيل منه. وهو جزء أصيل منّا. وفي لحظة من التاريخ كدنا نتماهى وإيّاه. فكلّ انسلاخ عنه انسلاخ عن الذّات. وماذا يبقى من الذّات إنْ هي انسلخت عن ذاتها؟

2 ـ علينا أن نعي ماهية قضيتنا بدقّة. قضيتنا أن نحيا أحراراً، بكلّ ما في الكلمة من جوانب وأبعاد وأعماق، في نظام ديموقراطيّ حقيقيّ يقوم على معايير “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” وسائر الشرعات المكمّلة له. إنها من مسائلنا الأولى وهواجسنا الأساسيّة وأهدافنا المركزيّة.

الذميّة، نصوصًا وأجواء، وحتى ممارسة على نحوٍ غير مباشرة، نرفضها رفضنا لشرّ كبير. إنّها طعن للحريّة، واغتصاب للحقّ، ونقضٌ للمساواة.

ترجمة الحياة الحرّة تكون بأن يحيا كلّ مواطن وفقاً لضميره ولاقتناعاته من غير أن يمسّ مواطنٌ مواطناً آخر في حريّة ضميره وفي اقتناعاته، ومن غير أن يهمين أحدٌ على أحد. لذا كان شعارنا وسيبقى: حريّة، مساواة، عدالة.  عندما تشتدّ العاصفة تأخذ في طريقها من يعاندها. المعاندة شيء، والمقاومة شيء آخر. المعاندة تشبّث بوسائل ما عادت صالحة ولا مثمرة في ظروف معيّنة وفي أحوال محدّدة. أمّا المقاومة فسعيٌ دائم للهدف، إنّما بوسائل تراعي الظروف والأوضاع المستجدّة.

السنديانة الكبيرة المتكبّرة اقتلعتها العاصفة العاتية. أما القصبة الهزيلة فنجت بانحنائها عند مرور العاصفة لتعود وتنتصب بعد زوالها.

هذا ما ينبغي أن نتأمّله. ونضيف إليه كثيراً من الحكمة والأصالة والهدف. فيتوافق سلوكنا وإيماننا، ويكون مثلُنا الصالح أبلغ كلام ودعوةً ورؤيا. ألا فلنتأمل.

30 ـ 10 ـ 1995 ـ من كتاب “من أجل العدالة في الوطن”

 

الكلمة موقف، أيًا يكن موقِعُها ووَقعُها. في الفكر، في السياسة، في الدين، في الثقافة، في المجتمع، في الاقتصاد، في البيئة…

وحتى تصبح هذه “الكلمة” عابِرة في الزمان والمكان، تفتح مجلة “المسيرة” صفحتها “آخر الكلام” لكتَّاب وسياسيين ورجال دين وفكر وفلسفة واقتصاد،

ليسطِّروا عليها كلمة… وموقف.

“المسيرة”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل