ليالي السكاكين “الميثاقية”!

حجم الخط

صحيفة النهار – نبيل بومنصف

الواقعة التاريخية لتسمية ليلة السكاكين الطويلة تعود الى حفلة تصفيات دموية قام بها الفوهرر أدولف هتلر فقضى على اكثر من مئتين من أقرب المقربين منه في منظومته النازية لترسيخ سلطته، وذهبت تلك الواقعة مثلاً تاريخياً “مبهراً” بعدما “ألهمت” طوال عقود بعد سقوط النازية الكثير من طغاة العالم في ما يسمى العالم الثالث في الانقضاض الدموي على خصومهم.

 

كان “قدامى” الساسة والعريقون الحقيقيون في المراس الديموقراطي في لبنان يتباهون بان لبنان هو البلد العربي الوحيد حيث تجد فيه رئيساً سابقاً للجمهورية، بما يعني تداول السلطة وانتقالها من عهد الى عهد سلمياً من دون انقلابات ومن دون تقطيع رؤوس. نقول “كان” موصوفة وتحتها سطران وثلاثة لأن ما نعهده في الداخل السياسي منذ صارت تقليعة الفراغ، ومنذ اتفاق الدوحة المشؤوم الذي أفرغ البقية الباقية من دستور الطائف من مضمونها، ليس أقل من ليالي سكاكين طويلة انقلابية متدحرجة لا نهاية لها. ولا نخال ان ثمة مغالاة في إبراز مجريات الألاعيب التي انكشف سترها في الساعات الأخيرة حيال مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في اطار تمدد السكاكين والطعن السياسي، الى نحر الجيش عن سابق تصور وتصميم بلا أي جدل. لقد بات مكشوفا، و”عينك عينك”، ان الجاري في تسخير وتوظيف واستباحة الشغور الزاحف على قيادة الجيش، هو صنيعة مصالح دنيئة رعناء من جهة وتآمرية بالغة الخطورة من جهة أخرى ستضع لبنان عبر تعريض جيشه للفراغ القيادي او التلاعب باستقرار وضعه أمام أخطر الاحتمالات قاطبة، وفي مقدمها تقديم هدية طوعية مجانية ل#إسرائيل نفسها.

 

لعل هؤلاء النشامى الذين يتآمرون اليوم لإفراغ قيادة الجيش وإلحاقها بأخطر ما يعاني منه لبنان مع تمادي التكيف مع جمهورية بلا رئيس وبلا مواقع أساسية ومع تمادي الخلل الميثاقي ولا مَن يحزنون، لم يعودوا مرة الى تجربة الانقسام المرعبة التي ضربت الجيش مع مطالع الحرب في السبعينات ليدركوا ان الآتي الذي يترصد بلبنان جراء ألاعيب دنيئة سيكون بمثابة رصاصة الرحمة في رأس بقايا دولة لم يعد أحد في الداخل أو الخارج يعثر لها على أثر. واذا كان من ملامح إيجابية للتلاعب الانقلابي الحاصل بين مجلس نواب وحكومة، وكلاهما صارا فاقدَي الشرعية والمشروعية الحقيقيتين مع ضياع النظام الدستوري وانهيار الأصول وتحكّم أحادي فاضح بالسلطة، فهي ان ما يتكشف من مقالب لتمرير الفراغ العسكري في النهاية، هذا المخطط يقوّض زعم كبار السلطويين المتربعين على بقايا الدولة بان تمادي ازمة الفراغ الرئاسي سببه الصراعات المارونية والمسيحية، فيما نرى اثباتا جديدا على “تعددية” كاملة في صناعة الفراغات الواحد تلو الآخر على ايدي هؤلاء “العريقين” في الميثاقية.

 

هي ميثاقية كاملة في الانقضاضات المتدحرجة على النظام تحت ستار توظيف شهوات سلطوية نزقة لبعض المسيحيين لا اكثر ولا اقل. وبمثل ما تلطّوا بالصراعات المارونية المزعومة منذ سنة وشهرين لإبقاء قصر بعبدا بلا سيّد، يتلطّون الآن بالرعونة إياها لتسديد الضربة الانقلابية الجديدة في رأس الجيش والمؤسسة الأخيرة التي تقف على رجليها. ها هي المأثرة الدموية ولو لم تسل الدماء في إفراغ النظام والدولة فيما تتسرب المعلومات عن مفاوضات تتولاها دول بين إسرائيل و”الحزب” مباشرة ولا وجود لدولة لبنان في المفاوضات كما في الحرب كما في أي شيء؟​

المصدر:
النهار

خبر عاجل