من أيلول إلى الميلاد

حجم الخط

​حين يُشبَعُ المرء بالقضيّة، تصبح الكتابة عنها أعسر ممّا يظنّ القرّاء. وإن أشدّ الكتابات صعوبة كتابة تحتاج إلى أن ينبت اللّسان في منابت الصّدق.

كثيراً ما تقع القطيعة بين الاثنين، ليس لجفاف في الصّدق، ولا لضعف في اللّسان، بل لأن الصّدق يبلغ مرحلة، يصعب فيها الكشف عن عمقه.

وحدهم الشّهداء بلغوا ذلك العمق الّذي لا يوصف، لأنّ الشّهادة أبهى انعكاسات الصّدق.

نعم إنّ لا أحد يحبّ الموت. لكن ما من مناضل أحبّ قضيته حدّ الصّدق، وما بلغ الشّهادة.

قد يقول البعض، أحيانًا كثيرة تأتي الشّهادة صدفة، وأقول ربّما بمقاييسنا نحن الأحياء الأموات نظنّ ذلك، إنّما بمقاييس الأحياء الأحياء فإن الشّهادة ما كانت لتكون لولا بلوغ الصّدق ما لا يعبّر عنه بغير الشّهادة.

لنتأمل موقف شهيد المحبّة الأول، وشهيد القضيّة الأول يسوع.  إذ لم يكن استشهاده صدفة، بل كان اختيارًا صادقًا مشى إليه بلا تردّد.

ولنتوقّف معًا عند الآية الكريمة، ” بل أحياء عند ربّهم يرزقون”.

إنّ العودة إلى الحياة قدر الصّادقين وحدهم.

فإن كان موت الجسد أمر مادّي فإن حياة الشهداء لا يدركها إلاّ أولو صدق في قضاياهم.

يعلّمنا الميلاد وعودة المسيح وقيامته، ما يعلمنا قدّاس الشّهداء في أيلول وعودتهم وقيامتهم الصّادقة فينا وفي قضية لا تنهض إلّا بمثل هذا المستوى من الصّدق.

لذا إن رأيت رفيقك قد قضى شهيدًا، فاعلم أنّه ما حمله على ذلك إلّا صدقه في القضية.

فوحدهم من أحبّوا بصدق قد عادوا من الموت.​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل