“الطوفان السيبراني”.. حرب من نوع آخر

حجم الخط

كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1747

تفاجأت إسرائيل بعملية “طوفان الأقصى” ودخول “جيش” حماس إلى غلاف غزة في السابع من تشرين الأول، ثم توالت المفاجآت تباعًا. بعضها ارتبط بعدد القتلى المرتفع من الطرفين، وبعضها بمستوى العنف الإسرائيلي وذلك “الحمساوي” على حد سواء، فيما غيرها ارتبط باستخدام أشكال أخرى غير تقليدية في الحرب، ومنها بشكل خاص استخدام الهجمات السيبرانية بين إسرائيل وحركة حماس وغيرهما من الأطراف.

لن تظل إسرائيل حائرة حول كيفية دخول رجال حركة حماس إلى غلاف عزة. التحقيقات المحلية لم تثمر في الوصول إلى نتيجة ثابتة ومقنعة حتى الآن، نظرًا لتشعّب العملية العسكرية الهجومية. أشارت بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن الهجوم العسكري تزامن مع “طوفان سيبراني” فلسطيني عطّل بعض الكاميرات وأجهزة المراقبة وغيرها من الوسائل التكنولوجية، ما ساهم في تسهيل الهجوم “الحمساوي” البري من دون أن يتم رصده في الساعات الأولى من وقوعه.

ومن حينها، بدأ الطرف الإسرائيلي كما ذلك الفلسطيني يركن إلى الحرب السيبرانية بشكل موازٍ للحرب العسكرية التقليدية. فأن كان الأمن السيبراني يعني، بتعريفه العلمي، “عملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضد الهجمات الرقمية”، هدفت الهجمات السيبرانية إلى الوصول إلى المعلومات الحسّاسة أو تغييرها أو تدميرها. وهذا ما قامت به حركة حماس على الأرجح في السابع من تشرين الأول، إذ دمرت أو حجبت وسائل المراقبة وشوشت على الاتصالات الإسرائيلية لتأمين دخول بري “آمن” إلى الأراضي الإسرائيلية.

من المستغرب أن تملك حركة عسكرية محدودة الأثر والحضور والإمكانات لتكنولوجيا متطورة توازي تلك الإسرائيلية، وهذا ما يلفت الانتباه إلى إمكانية استيراد الحركة لوسائل مساعِدة من خارجها، وتحديدًا من المورد الإيراني وموردين آخرين. أما الآخرون فهم ناشطون عالميون، بعضهم أوروبي أو أميركي، وغيرهم آسيوي أو عربي، يوالون “القضية الفلسطينية” أو يعادون اليهود، ويشنون هجمات سيبرانية من أجل إضعاف إسرائيل وإظهارها بمظهر الدولة المارقة والضعيفة.

من المؤكد أن التشويش على محطة محلية إسرائيلية ونشر “الهاكر” عليها مشاهد من الحرب أو رسالة تهديد، لا تؤثر جديًا على قوة إسرائيل العسكرية أو قوتها في الميدان، إلا أنها تخدُم غاية معنوية، عبر إظهار أن الطرف الإسرائيلي ضعيف وغير متحكّم بكامل أدوات المواجهة مع الفلسطينيين. فيما يوضح مدير المعلومات في شركة الأمن السيبراني “سيكويا” فرنسوا ديروتي أنه “على غرار ما حصل في النزاع الروسي الأوكراني، زاد عدد الهجمات الإلكترونية خلال الحرب الحالية… ولكن لا يمكننا الحديث عن حرب سيبرانية بل عن هجمات تهدف خصوصًا إلى حجب الخدمة”، وذلك من خلال تعمّد حصول حركة كثيفة تجعل الموقع الإلكتروني غير متاح لبضع ساعات.

لا يعني هذا الأمر أن الطرف الفلسطيني أكثر ابتكارًا ومقدرة من الطرف الإسرائيلي، إذ إن هذا الأخير يعمد كذلك إلى استخدام الأدوات السيبرانية من أجل جمع المعلومات والتشويش على خطوط اتصال حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، كما يملك القدرة على خرق بعض أجهزة المراقبة من كاميرات محلية ومشاهدتها. وهذا ما يُعطيه عينًا إضافية ومباشرة على ما يجري داخل قطاع غزة، وبالتالي توجيه أكثر سرعة ودقة لأعماله العسكرية الهجومية والدفاعية على حد سواء.

في المقابل، لإسرائيل حلفاءها “السيبرانيون” وخصوصًا المجموعات المستقلة من الخبراء الهنود الذين يعمدون إلى التشويش والقرصنة لكل المواقع الفلسطينية أو تلك الداعمة لهم، وبشكل يجعل عملية التواصل والترابط بين الفلسطينيين أكثر صعوبة.

في الواقع، تملك إسرائيل تكنولوجيا للمراقبة والهجومات السيبرانية ذات كفاءة عالية، لا بل تضم عددًا من الشركات ذات التأثير العالمي في هذا المجال، وتبيع حتى بعض تلك التكنولوجيا إلى دول أخرى مثل آذربيجان وتركيا والهند ودول أوروبا. هذا من دون إغفال أن لإسرائيل أقمارًا اصطناعية خاصة تجعل من عملية مراقبة كل شيء يجري فوق أرض قطاع غزة وغيرها من الأراضي ممكنة ومتاحة.

يُعتبر نظام “القبة الحديدية” الذي تملكه إسرائيل الجوهرة الأثمن في مجال الحماية الأمنية والعسكرية، إذ إنه يعمل تبعًا للذكاء الاصطناعي ويوجّه صواريخه الكثيفة نحو الصواريخ القادمة صوب إسرائيل ويختار أيًا منها يُفترض إصابته وأي صاروخ يُمكن أن يُترك إن قدّر النظام أنه سيقع في أرض غير مأهولة. والنظام هذا قابل للتعطيل من قِبل أي هجوم سيبراني متقدم، فيما حاول الفلسطينيون تنفيذ هجوم من هذا النوع على “القبة الحديدية» في الأسبوع الثاني من الحرب، استطاعوا من خلاله تعطيل بعض الأجهزة في النظام، وهو ما أدى إلى سقوط بعض صواريخ “القبة الحديدية” على أهداف إسرائيلية وتحديدًا في مستوطنة “ريشون لتسيون” قرب تل أبيب، لكن سرعان ما تم رد الهجوم السيبراني بهجوم سيبراني إسرائيلي مضاد أعاد العمل الطبيعي بـ”القبة الحديدية”.

وكانت صحيفة “يدوعوت أحرونوت” الإسرائيلية قد أشارت بعد الهجوم السيبراني إلى أن التحليلات العسكرية والتكنولوجية أشارت إلى أن سبب الهجوم سلاح سيبراني لا تملكه إلا دول كبيرة مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران.

“الطوفان السيبراني” عاد وشهد تراجعًا في الأداء الفلسطيني أو ذلك الموالي له، إذ خخَفَتَ عدد الهجمات من ناحية كما تأثيرها على إسرائيل من ناحية أخرى، فيما تبدو هذه الأخيرة أكثر قدرة على استخدام الوسائل التكنولوجية في مجال تخريب شبكات الاتصالات “الحمساوية” كما الرصد والتشويش والمراقبة وتعطيل مختلف القطاعات التكنولوجية الفلسطينية غير المتطورة بشكل حقيقي أساسًا.

من المنصف القول إن حركة حماس أبدت أداءً جيدًا في مجال الحرب السيبرانية، لكنه أداء لم يستمر بشكل مستدام وكان ضيّق النفس، فيما الأداء السيبراني الإسرائيلي بدأ بشكل خافت ثم تطوّر وتحسّن وحافظ على مستوى مرتفع ومستدام من القدرة على التأثير والفِعل والعمل. ولكن، وعلى العموم، يبقى أن الهجومات العسكرية التقليدية، في الميدان البري والجوي والبحري، هي الفيصل في تحديد من سيكون المنتصر في الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، فيما تبقى الهجمات السيبرانية مهمة، حتى الآن، لكن ليس بقدر أهمية الحرب العسكرية التقليدية.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل