من شباك العيد تطل “القوات اللبنانية”. قد تحكمنا الجغرافيا، كل يصنع فرحه في “منطقته”، لكن عمليًا لا مكان مزنّر بالكيلومترات، إذ لا سياج للإيمان ولا حدود لمشاعر العيد حين تجتاح القلب، الا القلب ذاته. الوضع سيء أمنيًا وحتى ماديًا، لكن صناعة الفرح تحتاج أولًا الى الإيمان بأننا قادرون على أن نصنع الكثير منه، حتى في قلب المآسي والأزمات، هكذا هي شجرة ميلاد القوات، نحملها في المناطق كافة وفي كل منطقة نزرع نجمة ونحمل شريطًا ملونًا نسيّج به لحظات الميلاد الفائق الحضور فينا. رغم كل شيء نحتفل بميلاد الرب الحامل إلينا سلامًا ومحبة ورجاء. في كل منطقة نشاط يزرع بعضًا من فرح مهما كان متواضعًا او مختصرًا، حسبنا أننا نحاول أن نكون حضور الفرح في الميلاد، وأن نجلس مع الأهالي في قلب مغارة الرب ومعًا نصلي انشودة الفرح.
من معراب تنطلق النشاطات الميلادية عبر رسيتال ميلادي، تحرص القيادة على استضافته سنويًا، ليكون محطة لقاء وإيمان للقواتيين وضيوف، تعلن معراب من خلاله أن الإيمان أقوى المقاومات، وهذه السنة وبدعوة من سمير وستريدا جعجع، تستضيف معراب فرقة وتر لتحيي أجواء الميلاد، إضافة الى قراءات ميلاية ستلقى بصوت الشاعر نزار فرنسيس والإعلامية ريما صيرفي.
بيروت، وليس أحلا من بيروت حين تعيّد الميلاد، هذه بيروت المتهمة دائمًا أنها تصنع فرحها رغم كل شيء “هيدي مدينة كلها روح والروح ما بتموت وكيف بوقت الأعياد” يقول إيلي شربشي، منسق منطقة بيروت في “القوات اللبنانية”، “بدأنا نشاطات العيد بمعرض ميلادي ليوم واحد لسيدات منطقة الجعيتاوي في مركز القوات، وكان الإقبال كبيرًا وتفاعل أهل المنطقة مع السيدات بشكل جيد، ثم أطلقنا حملة ميلادية لتقديم نحو 3000 قطعة ثياب، وذلك على مرحلتين، بدأنا المرحلة الأولى ونحن بصدد التحضير للمرحلة الثانية. مركز ساسين التقى في عشاء مع المسنين في دار العجزة في المأوى الماروني، وكان اللقاء رائعًا، أما منطقة بيروت الثانية فدعت أهالي المنطقة وخصوصًا مصابي الحرب فيها وعائلاتهم، الى جمعة على العشاء، ونحن الآن بصدد التحضير لحفل ميلادي لأولاد بيروت” يقول شربشي.
كيف يسكن الميلاد بين بيوت الدمار وأصوات القصف والموت؟ لعل الميلاد يخرج من تلك الأمكنة تحديدًا، حيث سلام الرب يأتي ليزرع خطواته حبًا وسلامًا. لن يحتفل أهالي القرى الحدودية بميلاد الرب، إذ لا زينة هناك ولا أضواء الا أصوات المدافع ودوي القنابل، ومع ذلك، لا يقفل سكان رميش وإبل وعين دبل والقليعة وسواها، أبواب كنائسهم لاستقبال أصوات القلوب التي تصلي بحرارة لميلاد السلام في لبنان. “نحن في حال الحرب صحيح، لكن بالنسبة الينا لا دخان يعلو فوق دخان المبخرة ولا صوت يعلو فوق صوت الترانيم، كما يقول كاهن الرعية وأهالي الضيعة، طبعًا لا احتفالات في كل ذاك الشريط الحدودي المزنر بالخطر والقصف، صلواتنا هي صمودنا في أرضنا رغم كل الأخطار المحدقة بنا، نحن ننتظر ليلة الميلاد بلهفة وإيمان كبيرين، وسنفتح كنائسنا لاستقبال ميلاد الرب، وكلنا رجاء أن ميلاد لبنان سيبدأ من هنا من عندنا، من الجنوب. صحيح أننا خسرنا بيوتًا وأرزاقًا، لكن ننتظر ميلاد لبنان من الجنوب”، يقول غابي الحاج رئيس مركز رميش في “القوات اللبنانية”.
لا تغيب منطقة الزهراني عن منظومة الاحتفالات القواتية، رغم اختصارها للكثير من تلك النشاطات بسبب الأوضاع، ومع ذلك حجزت مكانًا للفرح المتواضع ذاك، مع الأهالي في بعض القرى، “سنحتفل بالعيد الخميس المقبل مع 120 شابًا وصبية في أحد مطاعم منطقة مغدوشة، لنحتفل معًا بالعيد، والنشاط الثاني سيكون في بلدة درب السيم حيث هناك 220 فروجًا للمغربية، وهي عادة قديمة متبعة في المنطقة تقام بفترة الميلاد، نشاطاتنا مختصرة هذه السنة بسبب الأوضاع الصعبة ومع ذلك نجد دائمًا مكانًا لنفرح” يقول عماد روكز منسق منطقة الزهراني في “القوات اللبنانية”.
خجولة الزينة هذه السنة في جزين، هي قريبة من الجنوب الجريح، وأصوات المدافع يتردد صداها أحيانًا في قلب المنطقة، فاكتفت بالقليل المتوافر، ووحدهم شباب “القوات اللبنانية” أضفوا بعضًا من فرح العيد في المكان، وغرزوا على رأس التلة عبارة “ميلاد مجيد” لتكون إشارة فرح في زمن الآتي باسم الرب، أما نشاطات العيد وإن كانت قليلة نسبيًا مقارنة مع باقي السنين، الا أن شباب وصبايا القوات في المنطقة أصروا على القيام بها، “لتبقى هيك روح الميلاد بيناتنا ونعمم فرحنا المتواضع” يقول جان كلود نجم رئيس مركز جزين.
“اختصرنا النشاطات هذه السنة باحتفالين، الأول رسيتال ميلادي مركزي للمنطقة حيث يشارك فيه كل القرى المحيطة ببلدة جزين، ومن ثم تقديم نحو 750 هدية على تلاميذ ثلاث مدارس في المنطقة، هي محاولة متواضعة منا لإضفاء بعض أجواء العيد وكي لا نغيب عن فرح الميلاد في المنطقة” يقول نجم.
هذه زحلة، مدينة مشعة بأنوارها، هنا مغارة ميلادية، هنالك مغارة أخرى، تتوزع في المناطق المحيطة بعاصمة البقاع، زرعها شباب وصبايا “القوات اللبنانية”، لتكون شعاع فرح في ليل الخوف على البلاد. لم تتوقف زحلة يومًا عن الاحتفال بالميلاد مهما كانت ظروف الوطن صعبة، هذه مدينة الزحالنة والعناد لأجل ثقافة الحياة واعتناق الفرح، وكلما جاء الميلاد تهرع الى فرحها متلبّسة بالإيمان والاندفاع. “محضرين للعيد ومكترين” يقول الآن منيّر منسق منطقة زحلة، “نشاطاتنا حلوة وكتيرة ومتنوعة، بدأت منذ فترة وتستمر حتى العيد وما بعده، وكل ذلك لنقول لمن يريد الا يسمع لغة السلام، إننا رغم كل شيء نحتفل باله السلام، ونفرّح قلوب الكثير من اللبنانيين ومن كل الطوائف معنا، العيد بركة واحلا ما فيه انه يجمعنا على الفرح بميلاد الرب” يقول منيّر.
يقولون إن قرى الأطراف منسية في الميلاد، وان “القوات اللبنانية” تغيب عنها!! مقولة غريبة اذ من يعرف المنطقة وأهلها، يعرف أن القواتيين فوق لم يتوقفوا يومًا عن نضالهم لأجل البقاء والصمود في القرى والبلدات، وأن نشاط القواتيين فوق لا يقتصر على الميلاد وحسب إنما على مدار السنة. تُعد منسقية المنطقة من بين أنشط المنسقيات في منطقة البقاع، سابقًا مع المنسق شربل الراسي والآن المنسق الجديد ملحم منصف، كل قرى ذاك البقاع تضيء ليلها بمغارة في الساحة العامة، وكل قرية بحسب قدراتها تحاول أن تصنع فرح العيد مهما كان متواضعًا، انما هو احتفاء بالإله الآتي على ريح المحبة والحنان. “للصراحة لا نشاطات هذه السنة في منطقة راشيا، بسبب الوضع الأمني، فهناك يسمع الأهالي القصف على بلدات الجنوب القريب، ونحن أحيانًا نسمعها أيضًا في البقاع الغربي، لذلك قررت راشيا عدم الاحتفال بالظاهر وستكتفي بالمشاركة بقداديس الميلاد والتسعاوية كما كل القرى المسيحية في المنطقة، أما في البقاع الغربي، فنحن على موعد مع رسيتال ميلادي تعودنا أن نقيمه كل سنة ويلقى صداه الطيب جدًا في القرى التي تنتظره مع جوقة وتر زحلة، في كنيسة مار جريس صغبين، التي تتسع لمشاركة القرى المجاورة وتضفي أجواء ميلادية رائعة، على أمل أن تكون السنة المقبلة أفضل وأن يكون ميلاد السلام الحقيقي في لبنان” يقول ملحم منصف، منسق منطقة البقاع الغربي وراشيا.
في كل مكان من البقاع زاوية فرح تنتظر ميلاد الرب، هنا البقاع الشرقي الذي يحاول ككل مناطق لبنان أن يصنع فرحًا متواضعًا يخترق أجواء الحرب والتراجع. “لا نشاطات كثيرة هذه السنة بسبب الأوضاع الصعبة، اختصرنا الاحتفالات على مستوى مراكز القرى، بتوزيع ضيافة العيد أمام الكنائس ليلة العيد، نحن نحاول ان نوجه اهتماماتنا لمساعدة المرضى وتأمين الأدوية لهم، لذلك لم نقم بأي نشاط ميلادي مركزي، خصوصًا أن غالبية الشباب والصبايا هم من سكان بيروت، ويشاركون النشاطات القواتية حيث يسكنون، لكن أملنا كبير أن يكون الميلاد هذه السنة ميلاد الحل للبنان، وميلاد الحرية والسلام الحقيقي مع الرب الآتي على مزود المحبة” يقول جورج مطر منسق منطقة البقاع الشمالي.
وبعد؟ ثمة الكثير من النشاطات في مناطق متعددة، وإن لم تذكر فوق هذه الصفحة، لكنها تطبع بأذهان أهل القرى والبلدات، فحيث تكون “القوات اللبنانية”، تنغرز المقاومة لأجل وطن حر، والإيمان برب هو الحقيقة المطلقة وهو ضوء القوات وضوء العالم كله.