ورد ضمن موقع “النشرة” الإلكتروني، بتاريخ 19 كانون الأول 2023، مقالًا بقلم البروفسور نسيم الخوري تحت عنوان “الدماء التي لا تيبس أبدًا في لبنان”، تضمّن جملة من المغالطات وعرضًا سرديًّا يتناقض مع الوقائع الموثّقة، ما أوجَبَ تعدادها باقتضاب حرصًا على وضع نقاط الحقيقة على حروف المصداقية والمهنيّة.
أوّلًا، لم يدخل يومًا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في أيّ تنازع حول السلطة والكراسي، كما ذكر كاتب المقال، لا مع جبران باسيل ولا مع غيره، وقد فات البروفسور الخوري أن يطّلع على تاريخ الحكيم، الذي اختار صون ذاته الحرّة وحماية نضالات رفاقه والالتزام بمسيرة المقاومة اللبنانية، ولو بمعتقل الجسد، رافضًا كلّ عروض الداخل والخارج.
ثانيًا، فاتَ الكاتب وهو يوزّع تهمة “الكراسي والمناصب” جِزافًا وبتعميم غير واقعي، غير مهني، غير حقيقي، أن يذكر بأنّ الدكتور جعجع، لطالما قدّم مصلحة قوى الرابع عشر من آذار بعد ثورة الأرز بهدف تماسكها، فتخلّى عن أحقيّة “القوات” بمواقع مستحقّة في لوائح الاستحقاقات النيابية والنقابية، على سبيل المثال لا الحصر.
ثالثًا، يبدو أنّ البروفسور الخوري تناسى أن يلتزم بأبسط المعايير الأكاديمية، وهو المفترض به الأحرص عليها، وذلك عند وضعه في خانة واحدة مَن أحرق لبنان في الماضي وعاد وكرّر ذلك اليوم بهدف بلوغه السلطة، ومَن حاول إنقاذ موقع رئاسة الجمهورية والجمهورية تاليًا في دعم ترشيح خصمه المسيحي عام ٢٠١٦، عندما بات الفراغ القاتِل هو الخيار الوحيد.
رابعًا، أين رأى الكاتب الخوري أنّ رئيس “القوّات” قد دخل في تنازع على السلطة؟ هل عندما اختار السّير بمرشّح أكثرية المعارضة ميشال معوض على الرغم من امتلاكه التأييد المسيحي الأكبر واللبناني الأوسع وفق الانتخابات النيابية الأخيرة؟ هل عند سير الدكتور جعجع بالتقاطع الرئاسي بين قوى المعارضة و”الوطني الحر” حول الوزير السابق جهاد أزعور، إنقاذًا لِما تبقّى؟
خامسًا، من غير الواضح على ماذا استند الكاتب الخوري في قوله إنّ الدكتور جعجع وباسيل يدّعيان “الثنائية المارونية”، فأين قرأ ذلك؟ على الأكيد أنّه لم يطّلع على أيّ بيان تصدره “القوات” أو تصريح يُدلي به الحكيم بهذا الخصوص، حيث يرفضون رفضًا قاطعًا الكلام عن ثنائيّة مسيحيّة أو مارونيّة، كما أنّه لم يُقارب توصيفه هذا بأبسط ركائز الموضوعية، فما مِن جامع سياسي بين “القوات” و”التيار”، لكونهما ينتميان لمحورين متعارضين تمامًا، معراب مع بناء الدولة ولو كلّفت التضحية بالذات، وسلالة عون معطوفة على مجموعة باسيل مع السلطة ولو كان الثّمن تسليم قرار الجمهورية للدويلة والتضحية بالدولة والجيش والشعب.
سادسًا، كلام البروفسور نسيم الخوري عن الجلوس في القصور، مردود شكلًا ومضمونًا، خاصّةً في كلامه عن قائد لبناني جالَس رفاقه على متاريس الدفاع عن المجتمع وسكن معتقلًا دفاعًا عن أمانة مَن سبقوه ورافقوه وعن الأجيال اللاحقة مواجهًا نظامًا مجرمًا ودولًا عربية وغربية، وثَبتَ اليوم على كلّ المبادىء اللبنانية رغم وضع نفسه تحت خطر الاستهداف الجسدي.
ليست الدماء ما لا ييبس في لبنان، بل التبعيات والارتهانات وتقديم المصالح الخاصة على العامّة، وهو ما زال يتسبّب بالمخاطر على اللبنانيين آخرها محاولة ضرب المؤسسة العسكرية على يد تجّار الشعارات، لولا تصدّي الحريصين على الأمن القومي.
وبعد، ما لا يَيبس في لبنان، هي بعض الأصوات التي تخلط الحابل بالنابل، فتضع الظالم والمظلوم، السيادي والممانِع، الذي بذل حياته دفاعًا عن لبنان والذي هجّر مجتمعه في الحرب والسّلم لأجل ثلاثين من فضّة السلطة، في خانة واحدة، ما يؤدّي إلى إرساء النّفس التضليلي التعميمي الشعبوي الذي ساهم في أخذ مجتمع برمّته إلى ضفّة الانتحار مرّات ومرّات.