لأن هو المسيحُ الربّ.. لن نستسلم للقدر

حجم الخط

هو المسيحُ الربّ المولود في بيتَ لحم مدينة داود، تجسّد من عليائه آتيًا إلى أرض أُغُسطُس قيصر ليخلّص شعبه من قبضة إحصاء القيصر. أرسل ملاكه إلى رعاةٍ ساكنين في هجعة الليل، لا تعرفهم سلطة الإحصاء، ويواجهون الوحوش الضارية في البادية متّكلين على سلام الطفل المضجع في المذود وعلى رجائهم بوعود الله لهم عبر السنين. زفَّ لهم الملاك ولادة المسيح الربّ المخلّص الآتي ليعطيهم السلام، على الرغم من قبضة القيصر وسواد الليل الظالم. جاء وَسْط التسبيح في السماء: “المجدُ لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاءُ الصالحُ لبني البشر”، فالله يتمجّد حين يعمّ السلام الأرض، وهو لم يطلب يومًا سوى الطمأنينة لشعبه ولم تكن إرادته إلّا الرحمة لجميع الناس.

نزل يسوع المسيح من خارج الإحصاء والقيود المكتوبة ليعيد الفرح والبهجة إلى قلوب المنسيّين، حيث ليلهم حالك الظلام والسلطة لا تعترف بوجودهم. حمل إليهم سلامًا لا يُعطى في المعاهدات والعقود بل يفيض من قلبٍ ليس للحقد إليه سبيل، ولا يعترف سوى بالمحبّة المجّانيّة البعيدة عن الأحكام المسبقة. علّمهم ألّا يضعوا رجاءهم سوى في عناية الله، لأنّه الوحيد الّذي يضع يده بيدهم عندما تشتدّ عليهم الصعاب في البادية وأثناء سهرهم على قطعانهم وأرزاقهم. هذه هي الحقيقة الإلهيّة الّتي تجسّدت في بيت لحم على أيّام أُغُسطُس قيصر ليكون للرعاة والشعبِ معًا رجاءٌ وأملٌ في مستقبلهم، انطلاقًا من ذاك الحدث الإلهيّ الّذي جرى في تلك الأيّام أمام أعينهم حيث يسكنون في الجغرافيا.

تحلّ علينا اليوم ذكرى التجسد الإلهيّ وميلاد الربّ يسوع ونحن خارج حسابات السلطة ورعايتها، كما وقد طال ليل سهرنا الظالم إذ تجاوزت ساعاته أربعة عشر شهرًا من البؤس المدقع والعوز من دون معينٍ ولا معيل، حتّى أصبح أملُنا خائبَ الظنِّ بأيّة إشارةِ خلاصٍ بشريّة. نقف اليوم أمام مغارة الطفل الإلهيّ، عيوننا شاخصةٌ إلى زينة العيد وبهرجته، لكنّ قلوبنا تخفق إلى الله الآب طالبين منه زَفّة خلاصٍ جديدٍ من هذا الزمن البائس.

لأنّ تقاليدنا اللبنانيّة تمنعنا من الاستسلام للقدر، وإيماننا المسيحيّ يمنعنا من فقدان الرجاء بقوّته الخلاصيّة، وواقعنا الحاضر يحتّم علينا شبك الأيدي والكشف عن السواعد، لنسير معًا ضمن كنيستنا في مسيرتها نحو تلاقي الشعوب، إنسانيًّا واجتماعيًّا فنكون المعين والمعيل لبعضنا. نحن لسنا من أبناء السراب لنستسلم لواقعنا ونسقط في نفقه المظلم، نحن أهل الإيمان بالحقيقة الإلهيّة المتجسّدة، وسنسرع مثل الرعاة باحثين عنه في قلوب الناس، ونضع رجاءنا في هذا الطفل المقمَّط في المذود، لا لكونه أعطانا فرحة العيد والبهجة وجعلنا نعيش فرحة اللقاء مع الآخر وحسب، بل لأنّنا نؤمن أنّه هو المسيحُ الربّ.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل