على الرغم من كل المآسي المحيطة والعوامل المعيقة، يثبت اللبنانيون بعناد منقطع النظير تمسّكهم بـ”فلسفة الحياة والفرح” بمواجهة “عقائد الظلام والموت”، ويصرّون بإيمان ورجاء كبيرين على الاحتفال بأعيادهم المجيدة مهما كانت الأوضاع. وهذا ما أثبتته بالفعل حركة الأسواق التجارية في الفترة التي سبقت عيد الميلاد وتُكمل في الأيام الفاصلة عن عيد رأس السنة. فحركة الأسواق التجارية تسجّل نشاطاً ملحوظاً هذا العام أكثر من العام الماضي، على الرغم من كل الظروف المعاكسة والوقائع الماثلة عملياً، في السياسة والاقتصاد، وفق الانطباع العام. لكن لعلّ حركة الأسواق المزدهرة في فترة الأعياد هذه السنة ليست إلا انعكاساً لإرادة الحياة في صميم كل لبناني حرّ، والتي تأبى الخضوع والخنوع أمام أعتى الرياح والصعاب.
لرئيس جمعية تجار جونية وكسروان ـ الفتوح سامي عيراني، تفسيره لهذه الظاهرة، إذ يلفت إلى أنه “إذا استثنينا حركة الأسواق المتصلة بالسوبرماركت والمواد الغذائية والأطعمة والباتيسري والحلويات التي تزدهر عادةً في الأعياد، فإن النشاط التجاري في الأسواق بهذه الفترة من السنة وبنسبة تصل إلى 80% منها تركّزت حول عيد الميلاد، أي إلى 24 كانون الأول اليوم الذي يسبق يوم العيد. أما بالنسبة إلى الأيام المتبقية إلى عيد رأس السنة، فتكون أخفّ بنسبة معينة لأن الذي اشترى قد اشترى مبدئياً”.
عيتاني يوضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “حركة الأسواق التجارية في الأيام التي سبقت عيد الميلاد هذا العام، وبالمقارنة مع العام الماضي في الفترة نفسها، سجّلت فرقاً كبيراً عند أغلب التجار”، مشيراً إلى أن “مَن استعدّ مِن التجار وكان لديه مخزون من البضاعة، خصوصاً المطلوبة في فترة الميلاد، “اشتغل”، وكانت حركة البيع عنده مزدهرة أكثر من العام الماضي، والنسبة تتفاوت بين محل وآخر، بين 30% و40% زيادة عن العام 2022 في الفترة ذاتها”، ومن ضمنها محلات الألعاب التي شهدت حركة ملحوظة خصوصاً للألعاب غير الباهظة الثمن”.
أما عن العوامل التي جعلت حركة الأسواق تشهد هذه النسبة من النشاط وصولاً أحياناً إلى 40% أكثر من العام الماضي؟، فيرى عيتاني أن ثلاثة أسباب تقف وراء ذلك: أولاً، البلد أصبح مدولراً بنسبة أكبر من العام الماضي تتخطى الـ80%. ثانياً، الاستقرار الذي يشهده سوق الصرف وثبات سعر الدولار. وثالثاً، ارتفاع الرواتب والأجور والزيادات على معاشات موظفي القطاع العام، وكذلك التصحيحات التي أجرتها معظم الشركات والمؤسسات على الأجور في القطاع الخاص بنسب متفاوتة، بالتالي بات هناك إمكانية مادية أكبر لدى الموظفين للشراء في فترة الأعياد أكثر من السنة الماضية”.
يضيف: “حركة الأسواق الأكبر حصلت في الفترة التي سبقت عيد الميلاد. أما في الأيام الفاصلة بين عيدَي الميلاد ورأس السنة، فالحركة إجمالاً تكون نشطة في محلات بيع أكسسوارات الزينة للإحتفالات فضلاً عن محلات الألعاب النارية والألبسة التنكرية المخصصة لاحتفالات رأس السنة والمحلات المتخصصة بالإضاءة، وما شابه، ما سيحرّك الأسواق بعض الشيء إنما بنسبة أقل من فترة الميلاد. من دون أن ننسى طبعاً محلات تحضير الأطباق الجاهزة والـ”كايترينغ” التي غالباً ما تنشط في عيد رأس السنة وغيره أيضاً، بالإضافة إلى المطاعم والسوبرماركت كما أشرنا، فهذه القطاعات تبقى نشطة بل تشهد ازدهاراً في فترة رأس السنة”.
الصورة ذاتها في معظم الأسواق التجارية هذا العام في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة بمختلف المناطق اللبنانية، مع تفاوت بين المناطق المعروفة والمشهورة تجارياً والأقل شهرة بطبيعة الحال. وعلى سبيل المثال حركة الأسواق في جبيل، إذ يؤكد معظم تجار المدينة لموقع “القوات”، أن “الحركة قبل أسبوعين من عيد الميلاد هذه السنة شهدت نشاطاً ملحوظاً أفضل من السنة الماضية”، مشيرين إلى أن “الناس اشترت هذا العام أكثر (ملابس، وأحذية، وألعاب، وحلويات، وغيرها) بنسبة جيدة”، ولافتين إلى أن “عدداً كبيراً من الزبائن في الأيام التي سبقت عيد الميلاد لم يكن يشتري لنفسه أو عائلته فقط، بل يقوم بشراء ملابس أو ألعاب أو غيرها كهدايا بمناسبة الميلاد، وهذه الظاهرة لاحظناها بشكل لافت أكثر هذه السنة”.