كتبت فيرا بو منصف في “المسيرة” – العدد 1748
2023 عام “القوات اللبنانية”.. ولها دائمًا كل الأعوام
أولها وليس آخرها معركة رئاسة الجمهورية
لوهلة نظن أن الزمن في لبنان توقف أمام أزمنة العالم. في بقاع الدنيا الواسعة يتكلمون عن إنجازات واختراعات وحقوق الإنسان وما شابه، في لبنان نقف عند مفترق طرق لا بل طريق بعنوان انتخاب رئيس للجمهورية. أكثر من عام والوطن من دون رئيس للجمهورية، لأن أركان تلك الجمهورية توقف بهم الزمن، عند تخلّف سلطة اعتنقت إذلال الشعب. في وطن القديسين والحريات، وعلى أرض قال فيها القديس يوحنا بولس الثاني لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة، ما زال هناك مقاومون يصنعون أمجادهم ولو كانت صغيرة، ليبقى في لبنان من يعلن بعضًا من كرامة وسط هذا الهول من الذل والاستسلام. هي “القوات اللبنانية” ما غيرها، كما كل الأعوام، تصنع ميلادها المجيد وانتصاراتها المستحيلة مع كل ورقة روزنامة نقلبها، لنستقبل مع ميلاد الرب، عامًا جديدًا ممتلئاً منا وبنا.
لم تكن الـ2023 سنة سهلة، كانت صعبة متمرِّدة مليئة بالمواجهات في الاتجاهات كافة، عبر فيها الكثير المضني على الوطن الصغير، وحاولت “القوات اللبنانية” اختراق المشهد المتراجع بنجاحات من هنا وهناك. ليس تبجحًا القول إننا وحدنا في تلك الساحة الغوغائية، من يحاول أن يصنع صورة مغايرة عن لبنان، لو تحقق لعاد أجمل وأحلا البلدان على الإطلاق.
في ما يتعلّق بمسيرة رئيس حزب القوات سمير جعجع، يمكن القول إن قضيته المركزية كانت رئاسة الجمهورية وستبقى حتى انتخاب رئيس للبلاد. فمنذ الشغور الرئاسي وحتى اللحظة، ما زالت الاتصالات جارية واللقاءات مع لبنانيين وسفراء وديبلوماسيين ووفود أجنبية وقيادات ومندوبين وشخصيات سياسية وروحية وما شابه، لأجل التوصل الى الضغط الكافي ودفع رئاسة البرلمان لإجراء الاستحقاق الرئاسي، إذ تعتبر معراب أن لا يمكن للدولة أن تنتظم إلا بإتمام الاستحقاق الرئاسي، وهكذا تكمل ضغوطها واتصالاتها كي يصل الى قصر بعبدا رئيس جمهورية يليق بهذه الأمة.
تابعت معراب التحركات السياسية كافة في البلاد، وكانت دائمًا مع حلفائها في المعارضة، محور الحركة التي حرّكت الجمود السياسي القاتل في البلاد، ولكن الانشغالات السياسية العامة لم تجعل القوات تتناسى استحقاقاتها الداخلية كحزب عريق مناضل.
أبرز إنجاز قامت به القوات للسنة المنصرمة، كان انتخاب هيئة تنفيذية للحزب، جاء بعد انتظار سنوات لتحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي بين الأحزاب في لبنان. كانت انتخابات حضارية بين الرفاق أنفسهم، وأضفت صورة الديمقراطية والتطور على حزب هو في الأساس صورة عن شعب مناضل مقبل على الحياة، لا يرضى بالذل ولا الاستسلام. فتحققت الانتخابات وصوّت 18321 منتسبا من أصل 31 ألفاً، أي بنسبة 58.9 وفاز بالتزكية سمير جعجع رئيسًا للحزب، وجورج عدوان نائبًا للرئيس، إضافة الى 11 رفيقاً يمثلون المناطق كافة والانتشار، وهم: أنطوان زهرا، د. جوزف جبيلي، مايا الزغريني، دانيال سبيرو، بشير مطر، أسعد سعيد، طوني كرم، وهبة قاطيشة، ميشال تنوري، إيدي أبي اللمع، إيلي كيروز، فكانت تلك الانتخابات علامة مضيئة في مسيرة حزب لا يضيء إلا شعلة الحرية.
أيضًا في قضايا البيت القواتي الداخلي، انتصار كبير حققته القوات اللبنانية في الانتخابات الطالبية، فاكتسحت القوات الجامعات حيث ترشحت، وبفوارق كبيرة على خصومها من الهيئات الطالبية التابعة لأحزاب الممانعة، وخصوصًا التيار الوطني الحر والحزب الأصفر، لترسم من خلال نجاحها ذاك، صورة سياسية مصغّرة عن خيارات الشباب اللبناني المسيحي تحديدًا، وليعلن لتلك السلطة أن المستقبل القريب في لبنان لن يكون إلا صورة عن هؤلاء الشباب الطموح الجريء الذي لا يؤمن إلا بلبنان حرًا نظيفًا مستقلاً.
على مدار السنة، شهدت معراب لقاءات المناطق كافة، إذ وبسبب الوضع الأمني، فضّل رئيس الحزب أن تضم معراب كل تلك النشاطات، لقاء المنسقين ورؤساء المراكز والمصالح في المناطق كافة، وكذلك الاحتفالات والريسيتالات الدينية، على عيد الميلاد والفصح وأيضًا ولائم العشاء وما شابه، لتكون معراب مثل منارة تشع بالنشاط، ولتشكّل نقطة لقاء الرفاق من المناطق كافة، وكذلك الضيوف، وليصبح المكان محور الأمكنة المتوّجة بحضور القواتيين والضيوف كافة.
في كل السنين، ومهما كانت الظروف، يُصرّ سمير جعجع على تمرير هذه العبارة، أو لنقل توجيه ما يشبه الأمر الى الرفاق كافة “ما تنسوا ناسنا بكل المناطق، الناس تعبانة وبدنا نحاول قدر الإمكان مساعدة بعضنا البعض”، فمعراب تُصرّ على أن تكون الى جانب المتعبين والمرضى وتساعدهم ولو بفلس الأرملة، وذلك من خلال تأمين مساعدات مادية أو أدوية وما شابه. من هنا كان العمل الجبار الذي يقوم به جهاز الشؤون الاجتماعية في «القوات اللبنانية»، والذي يوليه جعجع إهتمامًا فائقاً، ليكون دائمًا سند الرفاق في ضيقهم، وليجعلنا نشعر أن الضعيف بيننا ليس وحده، فثمة من يقف الى جانبه ويمسح بعضًا من دمعه، من دون أن يهمل كرامته وعزة نفسه.
ختام الـ2023 كان مسكاً بالنسبة لـ”القوات اللبنانية” ونشاطها السياسي، وبالنسبة للبنانيين الأحرار كافة، إذ خاضت القوات معركة شرسة بهدف التمديد لقائد الجيش جوزف عون، الذي كان من المفترض أن يتقاعد من منصبه، وسط خطر محدق بلبنان من فراغ أمني يُضاف الى الفراغ الرئاسي، ووسط محاولات من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وحلفائه لمنع ذاك التمديد، معرّضين لبنان لخطر أمني كبير وحرب عند حدوده الجنوبية تهدد بأن تكون شاملة، استنهضت القوات هممها مع الكنيسة المارونية وحلفائها في المعارضة، وأيضًا بالتحالف هذه المرة مع رئيس البرلمان نبيه بري، فحضرت جلسات التشريع بعدما كانت أعلنت مقاطعتها بسبب غياب رئيس للبلاد، وأبدت مرونة فائقة في هذا المجال، في مقابل التمديد لقائد الجيش، وانتصرت، انتصرت مع الكنيسة المارونية والمعارضة، في تجنيب لبنان كأسًا خطيرة جدًا، فكانت تلك مسك ختام التحرك السياسي الكبير لعام بدا كأنه لن ينتهي، لما حفل به من أحداث وخيبات وتراجع على المستوى الوطني.
في المقابل تألق حضور كبير لحزب “القوات اللبنانية”، ابتداء من القيادة وصولاً الى الرفاق في المناطق كافة، التي شهدت على مدار السنة نشاطات في الاتجاهات كافة، أثبتت القوات من خلالها أنها حزب من الناس ولأجلهم جميعًا ومن الطوائف كافة، حزب على امتداد مساحة وطن، مهما بدا أنه جريح ومتراجع، ثمة من يعيش فيه قيم الإنسانية والنضال لأجل الأرض والإنسان.
2023 سنة صعبة جديدة أُضيفت الى سجل “القوات اللبنانية”، ولكنها قاومت بكل قواها وحضورها السياسي الاجتماعي الإنساني الفاعل، سنة قواتية بامتياز، خُتمت كما كل سنة بريسيتال ميلادي في معراب وأصوات تمجد الآتي باسم الرب، بينما في البلاد تتعالى أصوات قرع طبول الحرب في الشرق كله انطلاقا من غزة وجنوب لبنان.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]