كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1749
من “بوينس أيريس” إلى “آخر الحروب” في غزة
عام رتيب وعالم ينقصه المغامرون!
باستثناء الحرب على غزة، لم يقدّم عام 2023 الكثير من الأحداث المثيرة على الصعيدين الدولي والإقليمي. بضع حروب كما دائماً، وبضع أزمات وانفراجات لا تنفك تكرر نفسها.
الحدث الأبرز كما ذكرنا كان ولا يزال ما جرى في غلاف غزة، والهجوم الإسرائيلي الذي تلاه على القطاع، فيما تراجع الاهتمام الدولي بالحرب الروسية على أوكرانيا، من دون أن تأخذ أحداث أخرى الكثير من الاهتمام الدولي، كمِثل الحرب الآذربجيانية “النهائية” على إقليم “ناغورنو – قره باغ” الأرمني.
فلنبدأ من أبعد مكان عنّا في الجغرافيا؛ من الأرجنتين. في هذا البلد البعيد، فاز رئيس جمهورية يميني يدعى خافيير مايلي، رئيس حاد في طباعه، طريف في حركاته. فوز اليمين في “بوينس أيريس” وقبله في البرازيل وبعض دول أميركا اللاتينية ما هو إلا تمظهر لخوف كاثوليكي عميق مما يجري من تغييرات كثيفة في عالم اليوم. السطوة اليهودية على بعض مقدّرات العالم المادي، التوسّع الإسلامي الديموغرافي، وتكاثر المظاهر المرتبطة بالحريات الجنسية، ما هي إلا أمور تؤرق أميركا اللاتينية. فوز قوى اليمين وأحزابه هناك، ما هو إلا رد فعل على عالم يتغيّر بسرعة، من دون أن يأخذ في الحسبان أي دور لأقل من مليار أميركي لاتيني بنيفٍ في إدارة شؤونه.
القارة العجوز تعاني بدورها. أوروبا الضعيفة المشلّعة من دون قدرة على لعب دور عالمي مؤثر، تُكبّ على إصلاح شؤونها. النزوح الأفريقي والشرق أوسطي إليها أخطر أزماتها، وهي لا تزال تائهة حائرة بين تطبيق دقيق لحقوق الإنسان يغيّر هويتها الدينية في المستقبل القريب، وبين نقض هذه الحقوق فتتغيّر مكانتها الإنسانية والقيمية. ترحّموا على أوروبا، هذه قارة باتت من الماضي في ميدان التأثير الدولي والإقليمي، ولا قدرة جدية لها على مقارعة الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى الصين وروسيا.
لا تزال الحرب الروسية ـ الأوكرانية قائمة. هذه دعوة للتذكير فقط ولكي لا ننسى، وليس لتأكيد المؤكد. الوحل الأوكراني أغرق جزمة بوتين عميقاً في هذا البلد الواقع في وسط العالم، بين الشرق والغرب. التقدم الروسي بطيء، والدفاع الأوكراني عادي. يعيش غرب أوكرانيا لكأن شرقها لا يخوض حرباً، فيما يعيش الشرق على المعونات العسكرية والإنسانية لمقاومة الغازي الروسي، وتحت نير جنرالات العسكر الأوكران والروس على حدٍ سواء، وأوامرهم الدائمة.
شهد العام 2023، نهاية مأساوية للصراع الآذاري ـ الأرمني على إقليم “ناغورنو -قره باغ”. مبروك لباكو، فقد استعادت باكو بدعم تركي كامل، وغض نظر روسي وإيراني، الإقليم وسيطرت عليه، بعدما فقدته منذ العام 1920. وبات من الضروري إقامة حسابات جديدة لردود الفعل المتوقعة في السنوات القادمة. هذا الصراع القوقازي لا ينتهي بل يخفت لبرهة من الزمن ثم يعود. أيضًا هذا الصراع «أبدي»، ولا ينفك يتكرر كل بضعة سنوات. من يدري، ربما يكون القادم من الأيام مليئاً بردود الفعل والأزمات في منطقة القوقاز الكثيرة التوتر؛ جورجيا تريد استعادة أرضها التي سلبتها روسيا منها عام 2008، وأرمينيا تريد استعادة أرض سلبتها منها آذربيجيان. على العموم، لم يأخذ الظفر الآذاري الكثير من الاهتمام الدولي، ربما لأن الجميع كان بانتظار هذا الأمر، بعدما فازت باكو على يريفان في حرب العام 2020، وانتظرت ثلاث سنوات لتقدِم على إعلان نهائي بسيطرتها على الإقليم.
أما الحدث الأبرز هذا العام، فكان قيام حركة “حماس” بعملية “طوفان الأقصى” التي نتج عنها سقوط ألف قتيل إسرائيلي وأسر حوالى 250 منهم. هذه العملية المباغتة أكدت على أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا يزال قائماً، بعد فترة زمنية من الهدوء النسبي. جنَت حركة “حماس” على نفسها واستدرجت رداً إسرائيلياً كبيراً. دخل الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة من دون أن يميّز بين مخيماته أو مدنه، ومن دون أن يعفي المدنيين والمسلحين على حدٍ سواء من بطش آلته العسكرية. والأكيد أن سنة 2023 ستنتهي، ومن دون أن نرى سيطرة إسرائيلية تامة على القطاع، وذلك على عكس الشهر الأول من سنة 2024، حيث تطمح تل أبيب للقضاء على حركة «حماس» للمرة الأخيرة، وتغيير الواقع السياسي والعسكري في قطاع غزة.
أظهرت الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” وأكدت على مجموعة من “الثوابت”. الأولى هي وهن إيران وعدم نيتها أو قدرتها على فعل أي شيء ذي معنى لمساندة القضية الفلسطينة، غياب الحِس المغامر لدى الإيرانيين والركون للتهدئة والعقلانية يعطي فكرة كما لو أنها دولة ضعيفة في الإقليم، ولا تملك قدرة على فِعل أي شيء ضد عدوّها الأساسي المفترض؛ إسرائيل. أما الثانية، فهي مدى التقارب الغربي مع إسرائيل، وتسامحه مع أعمالها العسكرية، بحيث يتردد معظم القادة الغربيون في شجب أي عمل إسرائيلي منافٍ للقانون الدولي الإنساني، وتتم مسامحة تل أبيب في معظم المنظمات الدولية، لكأن ما يُعاقَب عليه العالم لا تعاقَب عليه إسرائيل. أما الثالثة والأخيرة، فتأكُّد المؤكد أن إسرائيل لا تزال القوة العسكرية الأساسية والأكبر في الشرق الأوسط، وتستطيع أن تمارس أي نوع من أنواع الأعمال العدائية على كل الدول التي تحيط بها، ومن دون أن تكترث، جدياً، لأي أحد منهم.
عام 2023، عام رتيب يشوبه غياب المغامرات والأحداث المثيرة في الإقليم والعالم. نعيش في عالم ينقصه المغامرون ربما، أو أن البشر، في عالم اليوم السريع، باتوا أكثر هدوءاً!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]