كتب جو حمورة في “المسيرة” – العدد 1748
مع تراجع قدرات حركة “حماس” على صد الهجوم الإسرائيلي، يتردد السؤال التالي: ما هو مستقبل قطاع غزة، وماذا بعد انتهاء الحرب؟ هذا في وقت لا تزال المعارك تدور في ما تبقى من أحياء القطاع المتروك من العالم والمهمل من الأمم، والواقع تحت رحمة حمم المدافع والصواريخ الإسرائيلية. ليس هذا السؤال، في أي حال، محصورًا بما ستكون عليه الأوضاع في غزة، إنما بما يتردد صداه في المنطقة بشكل عام، وتحديدًا في لبنان، الذي يشارك، عبر قرار أحادي من “الحزب”، بالحرب، وإن بخجل وخفور.
عشرات المقاتلين من “الحزب”، وآلاف من سكان غزة. ما الفائدة من كل ذلك؟ هل استقر الأمن وساد السلام؟ هل عادت حبّة تراب واحدة إلى العرب وخسرتها إسرائيل؟ ما الغاية من الحرب إذاً، سوى الاتفاق النهائي الذي تُفضي إليه، والذي يدوم بعد الحرب لسنوات وسنوات.
القرار الدولي 1701 مثلاً، أهم من تفاصيل “حرب تموز” عام 2006. لا بل هو الفيصل في تحديد شكل العلاقة بين المعنيين فيه بعد انتهاء المعارك. من يكترث، حقيقة، لمن قصف مَن عام 2006؟ وما نفع مطوّلات البحّاثة ذوي النظارات السميكة حول أنواع الأسلحة المستخدمة وتكتيكات المعارك في تلك السنة؟ ما يهم، أساساً، هو الاتفاق الذي أنهى الحرب، فهو الذي يدوم ويفرض وقعه على المتصارعين وحدود تحركهم لسنوات طويلة.
في غزة، يصح نفس الأمر. من سيتذكر بعد سنة أو اثنتين، قصف إسرائيل لمستشفى في مخيم جباليا أو مدرسة في خان يونس؟ من سيتذكر نفقاً “حمساويًا” قرب مسجد الشافعي في حي الزيتون، أو صاروخًا عاديًا اعترضته “القبة الحديدية” فوق عسقلان؟ كل ما سيهم، بعد انتهاء الحرب، هو الاتفاق النهائي الناتج عنها، لا أكثر.
ستنتهي حرب غزة بعد أسابيع قليلة. سينتصر طرف على آخر، فيما لا تبدو إسرائيل في وارد التراجع. تتقدم ميدانياً، وإن ببطيء، وتحظى بدعم شبه تام من الغرب. لا مهرب من التنويه ببسالة الجانب “الحمساوي” كذلك. هذا موقف موضوعي، أخلاقي ومتزِن أن ينوَّه بمن قاتل لأسابيع جيشاً ضخماً مجهزاً كالجيش الإسرائيلي، وفي رقعة جغرافية لا تزيد عن مساحة قضاء جبيل، مثلاً. ولكن، هل يهم التنويه أو له فائدة ما، خصوصًا وأن انتهاء الحرب لا يبدو في مصلحة الجانب المنوَّه به؟
طرح نتنياهو فكرته مراراً ومراراً: “نريد القضاء على حركة “حماس”، تغيير الوضع القائم في غزة، وتجريده من السلاح”. هذا الهدف “الطموح” ليس ببعيد المنال، حتى وإن كان صعب التحقيق. نسي رئيس الحكومة الإسرائيلية أن أغلب قادة الحركة يعيشون في قطر، تركيا ولبنان. كيف تقضي على حركة ما، ولا تستطيع الوصول إلى رأس قيادتها؟ هل يكفي قتل يحيى السنوار ومحمد الضيف وثلة من قادة “حماس” العسكريين للقول إن الحركة انتفت؟
يبدو “تغيير الوضع القائم في غزة”، أسهل المنال. السيطرة الإسرائيلية الميدانية كفيلة في تحقيق ذلك، يليها اتفاق مع سلطة فلسطينية جديدة في القطاع، ربما تعترف بإسرائيل أو أقلّه حقها في الوجود والأمن. لكن، ما العمل بمليوني إنسان انتقلوا للعيش في جنوب قطاع غزة؟ هل سيعودون نادمين على ما اقترفته أيديهم من تهليل خلال عملية “طوفان الأقصى”، أم سيذهبون إلى صحراء سيناء للعيش في الذلّ كما دائماً؟
في لبنان، وجنوبه تحديداً، ليست الأسئلة أكثر تعقيداً من تلك المرتبطة بحركة “حماس” أو قطاع غزة. الخيارات أقل تنوّعاً، وحسماً. السؤال الأساسي هنا هو هل ستندلع حرب جدية بين “الحزب” وإسرائيل أم لا؟
للإجابة عن هذا السؤال التكهني، لا ضرورة للبحث في مواقف زعيم “الحزب” أو نوايا زعيم “حزب الليكود”، بل البحث يجب أن يكون في طهران. هناك، لا يزال قرار السلم والحرب اللبناني، للأسف. لا يملك “الحزب”، أي قول في شن حرب جدية خارج نطاق “قواعد الاشتباك”، إذ إن الأمر لا يعود له، ولا لتوقيته ومصالحه الخاصة، إنما يعود لإيران وظروف علاقاتها الإقليمية والدولية.
هنا الفيصل والمنتهى. ماذا تريد إيران؟ هل هي تجرؤ على فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل، فتخسر أداة تدخلية أخرى في شؤون الشرق، ويلتحق “الحزب” بحركة “حماس”؟ أم أن العقلانية والتقيّة، تفترض الهدوء والسكون والتروي، ودعم “الغزاويين” بالصلوات والدعاءات وصيحات التكبير فقط!
إن إيران على مفترق طرق إقليمي حاسم وصعب. إن تركت إسرائيل من دون ضغط لإيقاف حربها على “حماس”، خسرت طهران أداتها الحصرية للتدخل في الصراع الفلسطيني ـ العربي. أما وإن دخلت الحرب عبر “الحزب” لإنقاذ “حماس”، خاطرت في إنهاء أداتها الأساسية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ أي “الحزب”.
هذا هو الأساس والمعادلة الحقيقية، وكل ما تبقّى مجرد تفاصيل هامشية على أطراف الواقع الإقليمي. فيما العارف بكيفية تفكير القادة الإيرانيين، وعقلانيتهم القائمة على الربح البطيء والقضم، وتجنّب المواجهات والخسائر الكبرى، يعرف أن طهران لا تميل إلى الحرب. وحدهم المجانين يقودون حرباً مفتوحة مع إسرائيل في ذروة الدعم الغربي الذي تتلقاه. لا إيران مجنونة لهذه الدرجة، ولا إسرائيل يهمها الدخول في حرب شاملة على جبهتين… أقلّه إلى حين الانتهاء من قطاع غزة وخلق سلطة سياسية جديدة فيها.
أما نحن، نعم نحن اللبنانيين الذين لا ناقة لنا ولا جمل في كل ما يجري على أرضنا ومن حولنا، فأين مصلحتنا؟ باختصار، تقتضي مصلحتنا بتجنيب بلادنا الدمار، وأرواحنا الفناء. لا نملك قوة لردع إسرائيل في غزة، وليست مهمتنا، في جميع الأحوال، القيام بذلك. لذا، لا داعي لتلك المراهنات الخطيرة والخاسرة بأننا و”الحزب” قادرون على منع ذلك. والحرب لا تخدم سوى قتل ما تبقّى في هذه البلاد من أمل!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]