كتبت غرازييلا فخري في “المسيرة” ـ العدد 1748
متى كانت آخر مرة قرأت فيها كتاباً أو مقالًا مهمًا وأحسست بملمس ورقه بين أصابعك، وشممت رائحة حبره؟ سؤالٌ استوقفني طويلًا نحن الذين نعيش اليوم سرعة تطور التكنولوجيا وعصر الإنترنت وفوضى منصات التواصل الإجتماعي، واصبحت ثقافتنا مبرمجة نحو التغريدات على موقع “إكس”، أو تحديث الأخبار المتداولة على فيسبوك أو عرض نمط حياتنا على الإنستغرام وغيرها، لتمر مرور الكرام وترحل الى دهاليز النسيان بسرعةٍ كسرعة حضورها فلا ترسخ في الذاكرة… من هنا، تُعتبر مبادرة جهاز التنشئة السياسية في حزب “القوات اللبنانية”، لافتتاح مكتبة “مخايل عوّاد” خطوة مهمة للمحافظة على القيمة الفكرية، والإرث الثقافي، وعلى الهوية الوطنية التي تشكل مجتمعة عناصر أساسية في وعي الشعوب وتطورها، وتجهيزها لمواجهة أي تحدٍ قد تواجهه في المستقبل كي لا تمحى ذاكرتها القومية والوطنية. والأهم أنها تخلّد في ذاكرة الأجيال الطالعة إسم المفكِّر والمناضل مخايل عواد الذي كرَّس حياته للعطاء الفكري وقضية “القوات اللبنانية”.
في أروقة مبنى جهاز التنشئة السياسية في طبرجا يجول الرفاق بين محاضرة هنا ولقاءٍ هناك، بين كتابٍ هنا وملخَّصٍ له هناك، يسعون وراء التثقيف السياسي والتاريخي ويبحثون عن سلاح المعرفة والثقافة. هناك كان “مخايل عوّاد” قبل رحيله حاضرًا دائمًا ومحاطًا بالكتب، “لا أتذكر مخايل إلا والكتاب في يده، تكرج عيناه على كلماته تتأملها وتغوص بعمقها” يقول أحد الرفاق.
انطلاقًا من هنا، وتخليدًا لذكراه، افتتح جهاز التنشئة السياسية مكتبةً تحمل اسمه، وتضم كتبًا ومؤلفات ورقية وإلكترونية، متاحة لمن يرغب في نهل المعرفة والثقافة والإحاطة بجوانب أي موضوعٍ يريد.
“إن حزبًا بهذا الحجم الكبير، وحاملًا هذا الإرث المقاوم ولديه مشروع سياسي واضح وكبير، ومرتبط ومنتمي الى جذور التاريخ، غير مقبول أن لا يكون لديه مكتبةً خاصةً به”، يقول رئيس جهاز التنشئة السياسية المحامي شربل عيد “فأطلقتُ شرارة هذه الفكرة بين الرفاق في الجهاز، بالإضافة الى وجود كتب كان قد قدّمها رفاق فائضة لديهم وتتناول هذه الكتب مواضيع سياسية وغير سياسية”. ويضيف عيد: “هذه الأرضية التي وُجدت سهّلت عملية ترجمة فكرة تأسيس المكتبة، ليصبح لدينا مرجع ثقافي خاص يعود إليه القواتيون وغير القواتيين، ويمكنهم الاستعانة به عند الحاجة للقيام ببحث ما في موضوعٍ معيّن، وخصوصًا المواضيع الجيوبوليتيكية والسياسية والتاريخية وبكل ما له علاقة بالفكر السياسي والثقافي. وعليه، بدأنا بجمع الكتب من بعضنا البعض وبجهد ذاتي، وتعاوّنا مع مكتب رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، نظرًا الى العدد الكبير من الكتب الموجودة فيه، وهي تصله من خلال شخصيات فكرية وسياسية ودينية واجتماعية وسواهم. وبذلك استطعنا أن نؤسس اليوم مكتبة تحتوي على أكثر من 2000 كتاب بين ورقي وإلكتروني، ويُضاف إليها شهريًا العديد من الكتب.
بعد بلورة فكرة المكتبة وتأمين مخزونها، ارتأينا إطلاق إسم الرفيق مخايل عواد عليها لأنه كان من الرفاق الذين اهتموا بالفكر السياسي ورافق الدكتور جعجع منذ بداية الحرب اللبنانية، بدءًا من القطارة الى جانب عدد من الرفاق. وكان يشارك في تنظيم المحاضرات واللقاءات الفكرية التي تُقام في الثكنات العسكرية، ويشارك في إلقائها، وتطوّرت لاحقاً لتصل الى طلاب المدارس. عرضنا الفكرة على الدكتور جعجع فوافق.
ويوضح عيد أن مكتبة عواد لا تحتوي على أي من كتبه الخاصة التي كان يطالعها ويركز عليها في المحاضرات السياسية والحزبية، وكلها بقيت ضمن الإرث العائلي.
بعد تسلّم الدكتور جعجع قيادة “القوات اللبنانية”، تم تأسيس معهد الإعداد الفكري الذي ترأسه النائب السابق إيلي كيروز والذي أصبح اسمه في ما بعد جهاز التنشئة السياسية. وتولّى الثنائي كيروز ـ عوّاد بشكل أساسي مسؤولية عن الإعداد والتدريب الفكري للرفاق في المعهد.
منذ أن تم تعيينه رئيسًا لجهاز التنشئة، كان “مخول” موجودًا وحاضرًا دائمًا في مبنى الجهاز”. ويضيف عيد، كان يمضي وقته في القراءة والمطالعة والبحث والكتابة، وكان يوجّه الرفاق نحو عناوين الكتب التي يجب أن تكون موجودة في المكتبة، “لذلك لم نجد طريقة أفضل لتخليد اسمه الا عبر اطلاقه على مكتبة الجهاز”.
تقع المكتبة في مبنى جهاز التنشئة، ولتسهيل الأمور على الرفاق وعلى من يريد قراءة أي كتاب فيها، تم وضع رقم 718449/70 للاتصال عليه ليرسل لهم فهرس المكتبة بشكل إلكتروني للاطلاع عليه، وعندما يختار الكتاب الذي يريده يتم الضغط عليه ليدخل من خلاله الى رابط يسمح له بالحصول على الكتاب، سواء عبر النسخة الإلكترونية أو عبر هاتفه أو ورقيًا، وفي هذه الحال عليه التوجّه الى مبنى المكتبة للحصول عليها.
ويشير عيد الى أنه الى جانب الكتب الموجودة الصادرة عن دور نشر عديدة، يوجد أيضًا أبحاث وملخصات في مختلف المواضيع التي لها علاقة بالفكر السياسي، وهي صادرة عن دائرة الإعداد والتدريب في الجهاز، لتطال كل المواضيع الضرورية في حياة كل حزبي، فنحن مقاومة لديها تاريخ ومشروع سياسي ونعيش في محيط تشوبه الصراعات بشكل مستمر، علينا أن نتعرف فيها على فكر الجماعات الموجودة فيها. بعد إنجاز البحث، يُوزع عبر مجموعات عن طريق الواتساب، وبعد حوالى خمسة أيام أو أسبوع ننظم حلقة نقاش مع مُعدّ البحث أو الملخص في مبنى الجهاز أو الكاتب. الى جانب ذلك هناك أيضا دورات تنشئة تُعقد على مستوى الكوادر والمنتسبين تؤهلهم مستقبلًا لاستلام مسؤولياتٍ حزبيةٍ، بالإضافة الى ورشات عملٍ تغذي مهاراتهم وتنميها وتعلّمهم فن الإدارة الذاتية لنقاط قوتهم وضعفهم.
يصف عيد مخايل عوّاد بفيلسوف القضية، والمرجع لأية قضية فكرية تستعصي عليهم، وقد توقّع احداثًا كثيرةً في المنطقة والعالم قبل وقوعها بفترة طويلة، على غرار الثورة في إيران وسوريا، فكان رجلًا رؤيويًا يُبحر كل يومٍ في المواضيع التي يريدها، ويجلب الكتاب الذي يريده ولو كان في آخر الدنيا، ليعقد عند انتهائه من قراءته حلقات نقاش لم تكن لتُعقد لو لم تكن مع “مخول” الذي لم يتدرّج في المسؤولية الحزبية التي بدأها بالفكر السياسي وتوفاه الله به حاملًا الفكر والقضية حيثما ذهب.
لكن أين جيل الشباب المأخوذ بعالم التواصل الاجتماعي، وهل لا يزال الكتاب قيمة في جزيئيات يومياته؟
في النظام الأساسي لحزب القوات الذي وُضع عام 2012 ، يوجد العديد من المواد التي تتحدث عن إلزامية التنشئة السياسية لكل قواتي، يجيب عيد، وبالتالي لا تنقصنا النصوص القانونية، ولكن ينقصنا نوع من الهمة عند القواتيين وجاذبية معينة في الجهاز الذي من مسؤولياته أن يقدم لرفاقنا المحازبين مواضيع جذابة في الأسلوب والمضمون. ومنذ حوالى الخمس سنوات تم إنشاء مكاتب للتنشئة داخل المراكز الحزبية في المناطق، لتكون صلة وصل بينهم وبين المحازبين، وبالتالي تصبح جميع الوحدات الحزبية على معرفة بكل نشاطات وأعمال الجهاز، وللجيل الشاب حصته حيث رُصدت له برامج خاصة بالطلاب القواتيين وستُطلِق قريبًا جدًا فيديوهاتٍ قصيرةٍ يتكلم فيها أحدهم عن فكرةٍ سياسيةٍ واحدةٍ مختصرةٍ تتناول المواضيع التي تهمه وتجذبه.
وتمنى عيد على جميع الرفاق أن يستفيدوا من هذه المكتبة، وأن لا تكون فقط مجرد مبنى يضم قيمة فكرية ويخلّد إسم الرفيق مخول، فمكتبة مخايل عواد هي نتاج عمل فريق كبير. وتوجّه بالشكر لكل الذين تعاقبوا على رئاسة الجهاز وعلى رأسهم النائب السابق إيلي كيروز الذي يُعتبر عراب هذا الجهاز ورئيسه الفخري، طالبًا الرحمة لروح “مخول” الذي كان جزءًا من هذه المسيرة منذ القطارة، والى الرفيق النائب أنطوان حبشي الذي أدخل هذا الجهاز من بابه العريض الى التاريخ القواتي الحديث، وكل فريق العمل الذي عمل سابقًا ويعمل اليوم، لأنه لولا كل هذه التراكمات وكل هذه الأعمال التي حدثت سابقًا لما وصل جهاز التنشئة الى ما هو عليه اليوم، ولم يكن أحد ليفكّر في إنشاء مكتبةٍ فيه.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]