عندما تكثر الأبواق مصوّبة على بكركي، اعلموا إذًا أنها على حق. هذا الصرح التاريخي الذي لطالما لعب أدوارًا محورية وثابتة في تاريخ لبنان، تراه اليوم في مرمى الممانعين. الحياد الذي دعا اليه سيد بكركي، أعادنا الى دور البطريركية المارونية، التي حملت لواء استقلالات لبنان، على الرغم من كل الحملات التي تعرضت وتتعرض لها. وقد صدق البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عندما قال يومًا: “بكركي من عركة لعركة لا زيتا ولا نورا شح، كلن عم يحكوا تركي إلا بكركي بتحكي صح”.
“لا تسكتوا عن الفساد وعن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، ولا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني ولا عن سجن الأبرياء ولا عن التوطين الفلسطيني ودمج النازحين ولا عن مصادرة القرار الوطني ولا عن الانقلاب على الدولة والنظام … وعدم إجراء الإصلاحات…لا يوجد دولتان أو دول على أرض واحدة ولا جيشان أو جيوش على أرض واحدة ولا شعبان أو شعوب في وطن واحد، وأي تلاعب بهذه الثوابت يهدد وحدة الدولة”. البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في 27 شباط 2021.
بالمضمون السياسي السيادي لا تختلف صرخة البطريرك الراعي عن صرخات بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير، وأهمها النداء المحوري في 20 أيلول من العام 2000 والذي انطلقت منه معركة تحرير لبنان من الاحتلال السوري ورفع قبضة النظام الأمني السوري اللبناني تدريجيًا عن رؤوس ورقاب ونفوس اللبنانيين.
لم تختلف ردات فعل أبواق النظام السوري وأحزابه وشخصياته وجيوشه الفعلية والالكترونية وتهديداتهم لبكركي، أيام البطريرك صفير، عن الحملات التي تشن حاليًا على بكركي تحت ثوب وعباءة البطريرك بشارة الراعي.
دور بكركي التأسيسي للوطن وللبنان بدايته كانت في العام 1919 مع البطريرك الياس الحويك الذي عرض قضية لبنان أمام مؤتمر الصلح في باريس الذي أسس لإعلان لبنان الكبير في العام 1920، كما في دور البطريرك أنطوان بطرس عريضة باستقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي في العام 1943، مرورًا بدور البطريرك صفير في اتفاق الطائف في العام 1989 الذي كان مفترضًا أن يكون تأسيسًا لدولة السلام ونهاية الحرب لو لم يتم الانقلاب السوري على الطائف. هذا لم يمنع البطريرك من استمرار معارضته ومقاومته، مؤسسًا لمصالحة الجبل مع وليد جنبلاط وممهدًا لانتفاضة الاستقلال في 14 آذار من العام 2005.
كثيرة هي إنجازات الصرح الوطني الذي قيل في بطريركها عن حق “مجد لبنان أعطي له”، وأكثر منها هي الافتراءات والإهانات والاعتداءات التي طالت بكركي وبطاركتها ومطارنتها منذ التأسيس وحتى الساعة.
وقف البطريرك صفير أمام سطوة الاحتلال السوري وممارساته القمعية رافعًا صوت الحق والحقيقة، مدافعًا مناضلًا مقاومًا بالكلمة والحركة داخليًا وخارجيًا في سبيل الحرية والتحرير، والردّ غالبًا ما كان تهديدًا وعيدًا وتجريحًا وحملات شنتها دمى الاحتلال وأبواقها وعملاء مفارز مخابراته وخلاياها… الأداء والتعاطي الديموقراطي نفسه، استمر مع انتقال الاحتلال السوري الى الحزب الأصفر بوكالته عن الاحتلال الإيراني.
اليوم وللنيل من البطريرك بشارة الراعي واغتياله المعنوي، تُجنَّد القوى الممانعة بقيادييها من دينيين وزمنيين وميليشياويين وفلول النظام الأمني السوري -اللبناني واليسار البائدَين المُستدعَين من التحنيط على عجل، ليوصم رأس الكنيسة المارونية بـ”راعي التطبيع والاستسلام” وتنشر الجيوش الالكترونية “الإلهية والملحدة” بالتضامن والتكافل، صورًا مفبركة لرأس الكنيسة المارونية، مع هاشتاغ “راعي الصهاينة”.
ردًا على افتراءات وتهديدات محور الممانعة والاحتلال بالوكالة التي طالت وتطال البطريرك بشارة الراعي، من المعبّر قراءة ما أدلى به متروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة في 9 آب من العام 2021: “ما قاله البطريرك الراعي هو لسان حال كل لبناني صادق وأمين لوطنه، لا يرضى للبنان إلا السيادة الكاملة على أراضيه وعلى قراراته. مشكلتنا في لبنان أن بعض اللبنانيين ليس لديهم انتماء كامل وواضح للبنان وحده. غبطته يحمل همّ لبنان كله لا همّ منطقة أو فئة وهو لا يستحق إلا الاحترام”.
نه مسار الأجداد والبطاركة من يوحنا مارون والحويك وعريضة وصفير والراعي من نشأة الكيان والاستقلال الأول والثاني وصولًا الى الاستقلال الثالث، لم نستكن لا نسكت لن نسكت وقد “قلنا ما قلناه”.
وأبواب الجحيم لن تقوى علينا.