هي مئة يوم وأكثر، مرّت على طوفان الأقصى، لم تتوقف طبول الحرب وتوسعت رقعة الاشتباكات وإن بقيت قواعد اللعبة مضبوطة. وبعد مئة يوم، تبّدل المشهد وأصبحت الجبهات المُسانِدة “المفترضة” تستدعي المُساندة العاجلة. تستحضرنا هنا سياسة “عضّ الأصابع”. هذه العبارة تستخدم عند وجود صراع بين دولتين أو طرفين، أو في حال الحروب الباردة أو الساخنة حتى لو كانت هذه الأخيرة تحت ضوابط وسقوف تراعي المصالح الوطنية، والخاسر من هذه السياسة وذاك الصراع هو من يبدأ في الصياح من عض إصبعه قبل خصمه.
منذ أكثر من مئة يوم، لحظة الرد الإسرائيلي على عملية طوفان الأقصى كرر المحور الممانع عبارات “التحام الجبهات”، و”وحدة الساحات”، ليجد أخيرًا مخرجًا مناسبًا إقليميًا لإيران ومحليًا لـ”فصائل” المحور في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان باعتماد مبدأ “الجبهات المسانِدة” لغزة لينحصر هدفها العلني بـ”وقف العدوان على غزة” وتخفيف الضغط عنها.
أما وقد مرّ أكثر من مئة يوم على الحرب على غزة بما نتج عنها من توسع للاحتلال والتدمير وازدياد في اعداد القتلى، خصوصًا من الأطفال والنساء، لا بدّ من التوقف عند الجدوى الميدانية والإنسانية لجبهات المحور المسانِدة.
إذاً، مراعاة للمصالح الوطنية التي تحدث عنها نصرالله وفي ظل الضوابط المفروضة بحكم “القواعد” المرسومة من خارج الحدود، وبعد مئة يوم على طوفان الأقصى، لم تؤثر الجبهة اللبنانية، على المسار الغزاوي بل تأثرت بالحديد والنار والدم والاقتصاد، وأصبحت عبئًا ثقيلًا على لبنان الدولة والشعب، وأصبحت المسانِدة بحاجة الى مساندة ودعم ومساعدة.
أما على الجبهة السورية، فعلى الرغم من صمت القبور التي يعتمده النظام الأسدي وفصائل المقاومة المؤيدة لإيران المتواجدة على أراضيه، تصول الطائرات والصواريخ وتجول، مستهدفة المحور ومواقعه وقيادييه تدميرًا واغتيالًا، ويكون المسانِد هنا بموقع المفتقد المحتاج للمساندة.
في الجبهة العراقية المساندة، وبعد مئة يوم أيضًا على حرب غزة، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بدك مواقع “المساندين” وقتل قادتهم عند كل استهداف لمواقع جيشها ولو ابتعد آلاف الكيلومترات عن غزة المستباحة دائمًا.
وننتقل الى الجبهة اليمنية وطرفها الـ”ح.و.ث.ي” الممانع لنوثق التالي: اعتبر أمين عام “ح.زب.ا.ل.ل.ه” حسن ن.ص.ر.ا.ل.ل.ه في 10 تشرين الأول 2023، أن “ما قام به الإخوة في اليمن كان له آثار مهمة وكبيرة جداً… وأن الصواريخ والمسيرات وصلت الى إيلات ووصلت الى أهداف أخرى في جنوب فلسطين المحتلة، لكن العدو يتكتم عن ذلك”، وأضاف في 3 كانون الثاني من العام 2024: “دخل الإخوة في اليمن من خلال استهداف الكيان الغاصب بالصواريخ والمسيرات ولكن كانت الخطوة النوعية المؤثرة العظيمة الكبيرة جدًا هو التحدي في البحر الأحمر… اليمن عندما أقدم على هذه الخطوة لم يكن مردوعًا، لم يكن خائفًا، لم يحسب لإسرائيل أيّ حساب. وهنا أيضًا يدخل تهاوي الردع الأميركي، هذا الردع الإسرائيلي لم يكن كافيًا فاستعان بالردع الأميركي، بالأساطيل الأميركية، لكن حتى الردع الأميركي لم يردع وهو الآن يغادر دون نتيجة”. لم تنته المواقف هنا، فقد قال في 5 كانون الثاني الحالي: “اليوم ثبتت اليمن في المعادلات الاقليمية والدولية التي يقف أمامها العالم على رجل ونصف وفضحت الإسرائيلي والأميركي …أين هو سلاح الجو الاسرائيلي من اليمن اليوم؟ هذا هو الردع اليمني”، ليصل في خطابه الأخير في 14 كانون الثاني من العام 2024 وبعد قصف الطيران الأميركي والبريطاني لمواقع الحوثيين في اليمن ليقول: “مسؤولية كل عربي ومسلم وحر وشريف أن يعلن مساندته لليمن شعباً وجيشاً وأنصاراً وهذا الفيصل بين جبهة الحق وجبهة الباطل.. المتخاذلون المثبِّطون المهبِّطون سيُخذَلون وحتى الساكتين سيُسألون يوم القيامة عن الموقف من تأييد اليمن في مواجهة العدوان”، مكررًا مع اليمنيين العبارة نفسها التي استعملها في التهديد المؤجل ردًا على اغتيال العاروري في قلب الضاحية بقوله: “ما بين اليمنيين ومن اعتدى عليهم… الميدان والأيام والليالي”.
على ما تقدم وضمن لعبة عض الأصابع المذكورة آنفًا والباهظة الثمن وغير المتكافئة كما بيّنّا، تأتي صرخة نصرالله المُستجدِية بعد مئة يوم، معبّرة عن حقيقة جدوى “جبهات المساندة” بقوله في إطلالته الأخيرة: “الأميركي والبريطاني وغيرهم أتوا إلى المنطقة وسيسمعون في لبنان وسوريا والعراق واليمن صوتاً واحداً: “أوقفوا العدوان على غزة، وبعد ذلك لكل حادث حديث”.