في ظل الحرب التي يشهدها قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، مع ما يرافقها من معارك شرسة وحرب شوارع خاصة إثر وجود شبكة “الأنفاق” المعقدة والتي بدورها تعتبر ورقة غزة العسكرية، اذ ان الأنفاق شكلت ضغطاً عسكرياً على الكاهل الإسرائيلي.
في هذا السياق، سلط تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على حجم البنية التحتية لأنفاق غزة التي أنشأتها حركة “ح.م.ا.س”، والتي قالت إنها “فاجأت الجيش وكبار المسؤولين الإسرائيليين”.
ويصف التقرير أحد الأنفاق بأنه يتسع بما يكفي لقيادة سيارة داخله، فيما امتدت منطقة أخرى بطول ثلاثة ملاعب كرة قدم تقريبا، وكانت مخبأة “تحت أحد المستشفيات”.
كما عثر الجيش الإسرائيلي تحت منزل أحد كبار قادة “ح.م.ا.س” على سلم حلزوني يؤدي إلى نفق يبلغ عمقه حوالي سبعة طوابق.
ووفق الصحيفة فإن “التفاصيل والمعلومات الجديدة حول الأنفاق، والتي أعلن الجيش الإسرائيلي عن بعضها وتم توثيقها بالفيديو والصور الفوتوغرافية، تؤكد سبب اعتبار الأنفاق تهديدا كبيرا لإسرائيل في غزة حتى قبل بدء الحرب”
وأذهل نطاق وعمق ونوعية الأنفاق التي بنتها “ح.م.ا.س” المسؤولين والجنود الإسرائيليين الذين تواجدوا في الأنفاق منذ ذلك الحين، بالإضافة إلى المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين ذوي الخبرة في المنطقة، وفق الصحيفة.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن “هناك أنفاقا أكثر بكثير تحت قطاع غزة”.
في كانون الاول، تم تقييم الشبكة بحوالي 250 ميلاً، ويقدر كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين، الذين تحدثوا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، أن “الشبكة تتراوح حالياً بين 350 و450 ميلاً، وهي أرقام غير عادية لمنطقة تبلغ أطول نقطة فيها 25 ميلاً فقط.
كما قيم اثنان من المسؤولين وجود ما يقرب من 5700 فتحة منفصلة تؤدي إلى الأنفاق.
لكن صحيفة ن”يويورك تايمز” أشارت أنه “لا يمكن التأكد من صحة هذه المعلومات من مصادر مستقلة”.
وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، تعتبر الأنفاق بمثابة كابوس تحت الأرض وجوهر قدرة “ح.م.ا.س” على البقاء، وتقول الصحيفة إن “كل هدف استراتيجي لإسرائيل في غزة يرتبط الآن بمحو الأنفاق”.
وأظهرت إحدى وثائق عام 2022 أن “ح.م.ا.س” خصصت ميزانية قدرها مليون دولار لأبواب الأنفاق وورش العمل تحت الأرض، حسب الصحيفة.
وقد قدر مسؤولو المخابرات الإسرائيلية مؤخراً أن “هناك حوالي 100 ميل من الأنفاق أسفل خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة، حيث تخوض الوحدات الإسرائيلية الآن قتالاً عنيفاً”.
وأشار تقرير صدر عام 2015 إلى أن “ح.م.ا.س” أنفقت أكثر من 3 ملايين دولار على الأنفاق في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك العديد منها الذي تم بناؤه تحت البنية التحتية المدنية والمواقع الحساسة مثل المدارس والمستشفيات، حسبما قال الجيش الإسرائيلي.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه “عثر على نوعين من الأنفاق: أنفاق يستخدمها القادة وأخرى يستخدمها النشطاء”.
وتظهر المعلومات أن “أنفاق القادة أعمق وأكثر راحة، مما يسمح بإقامات أطول، فعلى سبيل المثال استخدام بلاط السيراميك فيها. أما الأنفاق الأخرى فهي أكثر تقشفاً وغالباً ما تكون أقل عمقاً”، وفق ما تنقل الصحيفة.
وبعض الوثائق التي تم الاستيلاء عليها في الحرب أثبتت أيضاً أهميتها. وقد عثر الجيش الإسرائيلي على قوائم بأسماء العائلات التي “استضافت” مداخل الأنفاق في منازلهم الخاصة.
وفي إحدى الحالات، حدد الجنود الإسرائيليون خريطة للأنفاق في بيت حانون، وهي مدينة تقع شمال غزة، واستخدموها للعثور على الأنفاق وتدميرها.
وحتى مع هذه المعلومات الاستخبارية عن ساحة المعركة، فإن القتال في غزة حول الأنفاق كان مرهقاً للجيش الإسرائيلي.
وكانت محاولات الجيش الإسرائيلي هدم الأنفاق بإغراقها بمياه البحر قد بائت بالفشل، وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن “تدمير الأنفاق ليس بالمهمة السهلة، إذ يجب رسم خرائط لها، والتحقق من عدم وجود رهائن”.
وأضاف أن تدمير أنفاق غزة لا يعني إتلافها فقط، بل التأكد من جعلها غير قابلة للإصلاح.