الرجاء الصالح

حجم الخط

كتبت جومانا نصر في “المسيرة” – العدد 1748

“الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نوراً عَظيماً والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهم النُّور” (أش 9، 1). هو الرجاء، هو النور الخلاصي الذي ينتظره اللبنانيون الذين ما زالوا يقبعون في ظلامية ممارسات سلطة الممانعة التي تقبض على كل مفاصل الدولة ولا خلاص إلا بانتظام الحياة السياسية المتمثلة أولاً بانتخاب رئيس للجمهورية. نعم هذا هو الرجاء الذي يتطلع إليه اللبنانيون وصوت “القوات اللبنانية” الذي افترض بعض المتمترسين خلف أسوار الذل والمناكفات والشخصانية طمعًا بالسلطة سيبقى صادحاً على المنابر وصولاً إلى قاعات الأمم.

محطات عديدة استحقت التوقف عندها هذه السنة والمعارك السياسية التي خاضتها المعارضة وعلى رأسها حزب “القوات اللبنانية” سيسجلها التاريخ “كنور يدخل ويُبدّد الظلام الحالك” ويمحو أثقال فشل الآخرين، وذلّ التبعية.

منذ فجر التاريخ ينتظر الإنسان على مفارق الكون والزمن والمجتمعات الرجاء بتحقيق وعد الله بالخلاص. إنه يدعوه من أعماق الظلام: تعال وحوِّل كل شيء جديدًا. أكشف لنا يا الله عن وجهك الحق أنك الله محبة. هكذا نعيش ميلاد المخلّص وهذه السنة تحديدًا نتمعن أكثر في قصة حب الله ليلة الميلاد لأجل خلاصنا. لكن أين هو الخلاص؟

لطالما نسمع المتعبين وغير المتعبين يسألون: متى الخلاص؟ في عمق أعماقنا ننشد الخلاص، نتوق للعيش في عالم من التناغم والسلام مع أنفسنا، وفي علاقاتنا مع الآخرين ونسأل: أليست الحرية الحقيقية في اختيار الدروب التي نسلكها في هذا العالم؟ أليست الحرية تلك الموجّهة نحو خير الجميع، والمضاءة بشعلة الكرامة والعنفوان؟

في عالم الله يشعر كل فرد بأنه مسؤول عن الآخر، وعن خير الآخر. لكن لنسأل أنفسنا أولاً: أهذا هو عالم يسوع الذي وُلد في مزود حقير الذي نعيش فيه؟ أهذا هو العالم الذي تحوّلت فيه أرض المسيح أرض أورشليم وبيت لحم إلى ساحة صراع سُمّي بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولا يزال يقضم ما تبقّى من شعب المسيح فوق هذه الأرض؟ في هذا العالم يفسد كل شيء لأن السلطة للغة النار والقتل والعنف والتسلّط، ولأن الإنسان فيه فسُدت لديه معاني الإنسانية والخير لنفسه قبل الآخر.

وسط هذه الفوضى، أتخيّل الله واقفاً أمام ضمير الإنسان متسائلاً: “قايين أين أَخوك؟”. فيجيب قايين: “لا أَعلَم. أَحارِسٌ لأَخي أَنا؟” (تك 4، 9). نعم، كوننا أبناء الله فهذا يعني أننا حراس بعضنا لبعض! وخلاف هذا، أي عندما ينكسر التناغم وتتدحرج القيم ويتحوّل الأخ الواجب حمايته إلى خصم ويجب محاربته وسحقه، يفسد كل شيء.

قايين لا يزال يعبث بأرضنا بجمهوريتنا بثقافتنا ودورنا التاريخي في هذا الشرق. وفي كل جولة عنف ومع اندلاع حرب جديدة، ندع قايين يولد مجددًا. هذا ما يفعلونه على أرض المسيح، حيث بات القتل والموت والدمار وحتى سحق البشرية، وكأنه أمر عاديّ!

لكن لا. تلك الحياة ليست بعادية. فدولة من دون رئيس منذ أكثر من عام ليس بأمر طبيعي، ودولتان في دولة ليس بأمر طبيعي، وحزب يمتلك ا.ل.س.ل.ا.ح وفي يده وحده قرار الحرب والسلم أيضًا أمر غير طبيعي. مرضى يشحذون حبة دواء ومصابون بأمراض مزمنة فضّلوا الموت على سرير بيتهم بدلاً من الذلّ على أبواب المستشفيات، جريمة صُنِّفت بجريمة العصر في 4 آب 2020 وذهب ضحيتها أكثر من 230 ضحية وأكثر من 7000 جريح ولم يكشف بعد عمن تسبب بها، علمًا أن الجزء الأكبر من الحقيقة بات واضحًا أمام القضاء اللبناني والعالمي… كلها ليست بأمور طبيعية، وما نعيشه اليوم على أرض هذا الوطن التي تستقطب كل نزاعات وصراعات العالم ليس بطبيعي. إنه الاستثناء.

وكما هناك منذ 2023 عامًا كذلك هنا على أرض القديسين والطوباويين. هناك “الشّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نورًا عَظيمًا” (أش 9، 1). وهنا يبقى الرجاء في أن يبصر لبنان رئيسًا وتتدحرج كل الاستثناءات التي حوّلت الشعب إلى “متكيّف” معها.

فلننظر إلى المغارة هذه السنة من حيث يأتي نور النجمة، ولنصلِّ بالرجاء سائلين مريم العذراء: “يا مريم أَرِنا الرجاء الصالح… أرِنا الخلاص بميلاد إبنك يسوع!”.

 

الكلمة موقف، أيًا يكن موقِعُها ووَقعُها. في الفكر، في السياسة،

في الدين، في الثقافة، في المجتمع، في الاقتصاد، في البيئة…

 

وحتى تصبح هذه “الكلمة” عابِرة في الزمان والمكان، تفتح مجلة “المسيرة” صفحتها “آخر الكلام” لكتَّاب وسياسيين ورجال دين وفكر وفلسفة واقتصاد، ليسطِّروا عليها كلمة… وموقف.

“المسيرة”

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل