الأولى في امتحانات التخدير والإنعاش.. يارا مارون نجاح لبناني في فرنسا

حجم الخط

يارا مارون _ رحمةيارا مارون _ رحمةيارا مارون _ رحمةيارا مارون _ رحمة

قصص نجاح اللبنانيين في الخارج ليست وليدة الصدفة، هي قديمة قدم انتشارهم في أصقاع هذا العالم. قصة اليوم عنوانها الطبيبة يارا مارون التي انتقلت من بقرقاشا الى فرنسا ومن الجامعة اللبنانية الى أهم الجامعات الفرنسية. يارا مارون، إمضاء نجاح جديد يزينه الشباب اللبناني المتألق، مُزيلة بذلك رمادية الصورة القاتمة التي ترسمها السياسة في لبنان ومذكرة بأن بلد الأرز متميز لا يستكين ولا يتعب، على الرغم من سواد أيامه.

لم تكن الطبيبة يارا مارون ـ رحمة التي احتلت المرتبة الأولى في امتحانات اختصاص التخدير والإنعاش (EVC) لعام 2023 في فرنسا، تعلم أنها أنجزت مسابقتها بهذا التميّز. من بين أكثر من 500 طبيب خاضوا الامتحانات بقوانينها الجديدة، تألقت يارا، علمًا أن 800 طلب سجل اسمه للمشاركة في هذا الامتحان المصيري للأطباء غير الفرنسيين. الامتحانات التي تجريها وزارة الصحة الفرنسية والمركز الوطني للإدارة، هي لمعادلة الشهادة لأطباء من مختلف دول العالم ممن يحملون شهادات غير فرنسية. وأهميتها أنها تتيج للناجحين فيها معادلة شهاداتهم والانتساب الى نقابة الأطباء الفرنسيين كما العمل داخل الأراضي الفرنسية.

منذ طفولتها، رغبت يارا مارون ـ رحمة بأن تكون طبيبة، منطلقة من فكرة الخدمة الإنسانية، وعندما دخل أخواها كلية الطب تشجعت أكثر، آخذة في الاعتبار صعوبة هذه المسيرة والوقت الطويل الذي ستستغرقه. قرارها هذا لاقى دعمًا وتشجيعًا كبيرين من الأهل أولاً، ومن الزوج ثانيًا، حتى أنها قلبت المثل الشهير وجعلته “وراء كل امرأة عظيمة رجل عظيم”. أمّا قرار التخصص في التخدير والإنعاش، فاتخذته عندما بدأت مرحلة التدريب في غرف العمليات، فهي كانت تعي تمامًا أن هذا الأمر معقد، انطلاقًا من صعوبة الاهتمام بمريض وهو بكامل وعيه، فكيف إذا كان نائمًا مع كل مشاكله الصحية.

من عالم تخدير الأطفال والإنعاش، أطلت يارا على الطب الفرنسي. فالطبيبة اللبنانية عاشت في عائلة حملت لواء العلم. والدها جورج مارون، دكتور محاضر ومشرف على رسائل دكتوراه في جامعات لبنانية عدة، وكان شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية، والدتها ماري دابلة أستاذة تاريخ ـ جغرافيا ـ تربية مدنية لطلاب الشهادة المتوسطة، وأشقاؤها الثلاثة الأطباء. الأخ الأكبر الدكتور شربل مارون يشغل اليوم رئيس قسم جراحة العضم والعمود الفقري في مستشفى AMMC في أميركا، الشقيق الثاني الدكتور جيلبير مارون رئيس قسم الأشعة التداخلية للأوعية الدموية في مستشفى SunnyBrook في تورنتو، وشقيقتها رايان، في السنة السابعة طب في الجامعة اللبنانية.

غادرت بلادها مع زوجها المخرج شربل رحمة، عقب انفجار مرفأ بيروت، لمتابعة اختصاصها، وقررت خوض الامتحانات الفرنسية، كي تتمكن من تعديل شهادتها، والعمل في فرنسا.

تقول يارا مارون ـ رحمة، إنها لم تكن تتوقع احتلال المرتبة الأولى، لأنها بكل بساطة لا تعرف ما هو مستوى الأطباء الآخرين المشاركين، كما أن جميع الذين اجروا الامتحانات أطباء من مختلف بلدان العالم، بينهم من هم أكبر سنًا وأكثر خبرة من المتخرجين الجدد”.

تشير في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن الاستعداد والتحضير لهذه الامتحانات، استغرق سنوات. “منذ اليوم الأول لاختصاصي في التخدير والانعاش، جهدت وتعبت حتى أكون متميزة. في هذا النوع من الامتحانات، لا مراجع ولا توجيه عن طبيعة الأسئلة، التي تختلف من سنة الى أخرى، ما يحتّم علينا الاضطلاع على كل جديد متعلق باختصاصنا، ومتابعة المؤتمرات الطبية والتوصيات الحديثة الصادرة”.

لم تكن يارا بعيدة من عالم التخدير والإنعاش. منذ سنة تخصصها الأولى، اتخذت قرار الغوص في عالم طبي أكثر تعقيدًا. أنهت تخصصها في التخدير العام في الجامعة اللبنانية، وعندما وصلت الى فرنسا درست التخدير المتخصص بجراحة القلب والشرايين، وإنعاش القلب والصدمات والتخدير المتخصص بطب الأطفال (أي حديثي الولادة والرضع)، الذي يعتبر بغاية الدقة والصعوبة.

تتوقف عند الضغط النفسي الذي يتعرّض له طبيب تخدير الأطفال والفريق التمريضي، لافتة الى المخاطر في هذا المجال، من إيجاد عرق الطفل المناسب الى المضاعفات مرورًا بمجرى التنفس المختلف كثيرًا عن أولئك الراشدين، وإذ تشير الى الصعوبات والتحديات التي لا تتعلق فقط بسنوات الدراسة التي تتجاوز الـ13 عامًا، تذكّر بالتحديات والصعوبات المعنوية والعقلية والنفسية والجسدية، التي يتعرض لها الطبيب الذي يغطى 24 ساعة عمل، والملزم بمتابعة التطور والتحديث في اختصاصه، من دون أن ينسى رسالته الإنسانية  من خلال رفع معنويات المريض والتخفيف عنه.

لا تنكر يارا مارون ـ رحمة، المصاعب التي رافقتها في فرنسا، فالطبيبة الشابة غادرت لبنان مرغمة، تاركة وراءها أهلها وأصدقاءها ومجتمعها ووطنها، ولم يكن سهًلا بالنسبة اليها التأقلم في مجتمع جديد، بكل تفاصيله، “كانت مرحلة صعبة وحزينة، لأنني في أعماق نفسي لم أكن ارغب بالمغادرة”.

بالنسبة إليها، نجاحها ليس فرديًا، وهي تقدمه للبنان ولكل لبناني مؤمن بهذا الوطن. “أن يحتل لبنان المركز الأول بين دول كثيرة، فهذه هي الصورة الحقيقية لشعب مناضل ومتفوق، واللبناني كطير الفنيق يبقى محلقًا على الرغم من ظروفه الصعبة. نسبة كبيرة من اللبنانيين الذين وصلوا الى مراكز مهمة، كانوا صلة وصل بين دول الاغتراب ولبنان، وكل لبناني ناجح هو سفير لبلده في دولة الاغتراب. هذا فخر كبير لي، بأن يرتبط اسمي باسم لبنان”، تقول.

في عالم الطب، ستغوص يارا أكثر وأكثر، وهدفها اليوم تعميق دراستها في هذا المجال لتقديم أفضل ما يمكن للمريض بثقة تامة ومعرفة عالية، والاستمرار في التميّز لتحقيق إنجازات طبية جديدة. “هذا الإنجاز هو بداية الطريق، وسأكمل دراساتي وابحاثي للمساهمة بالتقنيات الحديثة ونقلها الى لبنان. وكي أتمكن من ذلك، لا بد أن أعود الى وطني وأمارس مهنتي في بلدي مع كل الخبرات التي اكتسبتها والإنجازات التي حققتها، ولا بدّ من الإشارة هنا، الى أن المستوى الطبي ممتاز، لكن ينقص أن تكون الطبابة حق للجميع”، متمنية أن يعود لبنان الى عصره الذهبي.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل