كتب شارل جبور في “المسيرة” ـ العدد 1749
تتعدّد أدوار “القوات اللبنانية”، ولكنها تصبّ جميعها في هدف واحد هو الحفاظ على لبنان التعدّدي بحدوده الجغرافية النهائية وإنسانه الحرّ وارتكازه على دولة تشكل انعكاسًا لتعددية المتجمع والمساحة المشتركة التي تلتقي حولها المكوّنات اللبنانية. وبالنسبة لـ”القوات” أي تجاوز لهذه المساحة من قبل أي فئة، هو تعدٍّ على الفئات الأخرى وتجاوز لإرادة العيش معًا، لأن جوهر فكرة الوطن تكمن في الشراكة بين الجماعات المكوّنة لهذا البلد واتفاقها على المبادئ والقضايا والعناوين التي تتوافق عليها.
على مدى عقود تعدّدت أدوار “القوات اللبنانية” التي تصبّ في خانة الهدف نفسه وهو مصلحة لبنان وشعبه:
ـ أولاً، دور “القوات” الوطني: خاضت “القوات اللبنانية” وتخوض مواجهاتها دفاعًا عن سيادة لبنان واستقلاله وحرية شعبه وقراره المستقل عن أي دولة خارجية، وعندما تخوض هذه المواجهة إنما يكون ذلك عن جميع اللبنانيين وبالشراكة مع من يؤمن مثلها بأن لبنان لا يجب أن يكون ملحقًا بأي دولة أخرى، ولا منتقص السيادة، ولا حدوده مشرَّعة، ولا ساحة فوضى.
ومنذ نشأتها تحمل “القوات” الهمّ الوطني من أجل أن يكون هناك دولة تحمي الجميع وتحتضنهم، لأن الهمّ الأساس لأية جماعة أو مواطن العيش وسط بيئة آمنة ومستقرة وحرة ومزدهرة، وقد أخذت “القوات” على عاتقها مهمة تحقيق هذه الأهداف في سبيل إنسان لبناني يعيش حاضره بسلام وطمأنينة ويخطِّط لغده ومستقبله في هذا البلد.
ولا حاجة لاسترجاع المحطات النضالية التي خاضتها لـ”القوات” وأسقطت فيها صفقات ومقايضات واتفاقات تتناقض مع نهائية لبنان واستقلالية قراره وحرية شعبه وتوازن جماعاته، وستبقى بالجهوزية نفسها واليدّ الممدودة ذاتها للجميع بهدف النضال المشترك دفاعًا عن هذه العناوين. ولولا دورها الوطني لكان لبنان إما دولة بديلة وإما دولة ملحقة.
ثانيًا، دور “القوات” المسيحي: لا تناقض إطلاقًا بين دور “القوات” الوطني ودورها المسيحي، إنما تكامل في سياق الهدف نفسه، فلا يمكن تحقيق التوازن والشراكة والحرية والاستقرار والأمن والازدهار في ظل فئة مسيحية غير مؤمنة بهذه المبادئ، وعلى استعداد للتحالف مع قوى خارجية تستتبع لبنان، وقوى داخلية لا تحترم التعددية والسيادة والدستور والدولة. وتتكامل مهمة “القوات” مسيحيًا مع مهام القوى الأخرى داخل الطوائف الأخرى التي تخوض مواجهاتها مع الفئات التي تُبقي لبنان ساحة فوضى وفلتان.
وفي هذا السياق أيضًا، تحمل “القوات” منذ نشأتها الهمّ المسيحي دفاعًا عن وجود وحرية وتعددية وشراكة وتوازن في إطار دولة وسيادة، ولولا دورها المسيحي لكان تحوّل لبنان إلى دولة أحادية وديكتاتورية، وقد واجهت داخل البيئة المسيحية، وما زالت تواجه، تيارات سياسية خرجت عن الخطّ المسيحي اللبناني التاريخي وشكلت غطاءً لدول ومحاور وقوى اعتدت وتعتدي على لبنان التعددية والحرية والسيادة.
ثالثاً، دور “القوات” الإنساني: دافعت “القوات” وتدافع عن الإنسان من أجل أن يعيش قيمه وحريته ويمارس شعائره تحت سقف دولة قانون تؤمِّن له المساواة والحقّ في الرأي والتعبير، فلا قيمة لوطن إنسانه مستعبد وخائف ومكبّل وحقوقه مهدورة وفرص عمله مرتبطة بولاءاته لا كفاءاته، والإنسان الحرّ قادر على الإبداع والعطاء، ولا قيمة لأي نضال لا يعطي الأولوية للإنسان بدءًا من حرياته، وصولاً إلى أمنه ولقمة عيشه.
رابعًا، دور “القوات” الإصلاحي: لا مشكلة لدى بعض الدول والمجتمعات من طبيعة سيادية، إنما مشكلتها من طبيعة فساد، والفساد ينخر جسم الدولة كالسرطان الذي ينخر جسم الإنسان. ومن هنا تركيزها الدائم والمستمر على حُسن إدارة الدولة القائمة على المساءلة والمحاسبة والشفافية والالتزام بالدستور والقوانين وأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدًا من المحسوبية والزبائنية.
وإذا كان لا دولة فعلية في ظل سيادة منتهكة، فلا دولة فعلية أيضًا في ظل إدارة سيئة تديرها المافيات والعصابات، وفي الحالتين تكون العدالة مغيبة والضحية هو المواطن، والإصلاح يبدأ من القضاء الذي يحاسب المرتكب ولا يميِّز بين مواطن عادي وآخر مسؤول، ولا عدالة في دولة بلا سيادة ودولة تحكمها المافيا.
ولا يقتصر دور “القوات” على ما تقدّم، إنما يشمل جوانب الحياة كلها المالية والاقتصادية والمعيشية والإنمائية والصحية والتشريعية والتربوية والإعلامية وسواها، وإذا كان “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، فإنه ليس بالسياسة السياسية وحدها تُبنى الدول، إنما بالتزامها بدستورها وقوانينها وتشريعاتها وعدالتها وشفافيتها ووعي ناسها، ولكن السياسة تبقى المدخل لكل شيء آخر، لأنه عبثاً البحث عن حرية وعدالة ومحاسبة وقانون وغيره وسط الفوضى، فالأساس يكمن في وجود دولة، ومن ثم العمل على وضع كل الضوابط اللازمة من أجل فعالية عملها بما يخدم مصلحة المواطن بكل أبعادها.
في معظم الحقبات التاريخية برزت قوى شكلت الضمانة لناسها ومجتمعاتها، وهذه القوى أخذت المبادرة من تلقاء نفسها ومن دون تكليف من أحد حرصًا على البيئة التي هي منها، وهذا ما ينطبق تحديدًا على “القوات اللبنانية” التي أوجدتها الظروف، فمنذ قيامها تركز دورها على تأمين الضمانة لبلد سيِّد ومستقل وشعب حرّ ومستقرّ ودولة فعلية وفعالة.
ولا خوف على بلد ومجتمع في ظل قوى ترفض الاستسلام والانصياع والتكيُّف والتطبُّع مع الأمر الواقع، ولا خوف على بلد ومجتمع في ظل قوى كانت دومًا في الخطوط الأمامية للمواجهة وكانت دائمًا “المتراس” للناس، ولم تتخِّذ يومًا كغيرها الناس متراسًا لمصالها وأطماعها، ولا تُبنى المجتمعات والدول سوى من خلال قوى لا تريد شيئاً لنفسها، إنما تناضل في سبيل بلدها وشعبها وقيمها الإنسانية.
والخوف على المجتمعات والدول يكون في حال غياب قوى وازنة ومصممة وفاعلة ومؤمنة ومؤثرة في صناعة التاريخ والتغيير، وهذا ما يفسِّر أسباب انقراض شعوب وتبدُّل هوية دول ومجتمعات، لأنه إذا لم تنوجد القوة-البوصلة تُحبط الناس وتتخبّط وتدخل المجتمعات في متاهات وتنزلق إلى القعر وتغيب عن الوجود، ومن هنا أهمية العمود الفقري للمجتمع كالعمود الفقري للإنسان. فمن دون “القوات”، ومن دون التقليل من دور قوى أخرى طبعًا، يفقد لبنان عموده الفقري في الدفاع عن قدس أقداسه، أي الحرية والتعددية.
ما تقدّم يفسِّر بدقة الخلفيات الكامنة وراء المواجهة الشرسة المفتوحة ضد “القوات اللبنانية” منذ نشأتها إلى اليوم، لأنه من خلال القضاء على القوة ـ البوصلة والعمود الفقري والرافعة التاريخية والضمانة الوطنية ومتراس الدولة والناس، يَسهل وضع اليد على لبنان وتغيير هويته، ولكن “القوات”، كما دائمًا، تقف بالمرصاد وفي الخطوط الأمامية دفاعًا عن لبنان والمجتمع، وما بينهما إبقاء الأمل للبنانيين بدولة يعيش فيها الإنسان حريته وسط بيئة آمنة وعادلة ومستقرة ومزدهرة.
وليس مصادفة أنه عندما يشعر المواطن بالخوف يفكِّر بـ”القوات”، وعندما يحلم بدولة قوية يفكِّر بـ”القوات”، وعندما يتحدّث عن الشفافية يعطي “القوات” مثالاً. وليس مصادفة أيضًا أن الدولة البديلة سقطت وبقي لبنان و”القوات”، والاحتلال السوري زال وبقي لبنان و”القوات”، وستزول الممانعة عن لبنان عاجلاً أم آجلاً ويبقى لبنان لجميع اللبنانيين وتبقى “القوات” الضمانة للبنان واللبنانيين.
شارل جبور ـ رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية”.
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]