كتب ميشال يونس في “المسيرة” ـ العدد 1749
يوسف بقاعكفرا الى الفاتيكان
شربل شاغل السماء والأرض
كتب ميشال يونس في “المسيرة” ـ العدد 1749
العاشرة والنصف من صبيحة الجمعة 19 كانون الثاني 2024 إنَّ من فتح لك أبواب الكرسي الرسولي الفاتيكانيّ هي أمك بريجيتا وليس أحد سواها، أمَّك التي أغلقتَ بوجهها بابك الرهباني الصارم الالتزام هي بذاتها التي فتحت لك جميع أبواب القائل: “كل من لا يترك أباه وأمه لأجلي فلن يستحقني”. وأمك الشدياقة البشراوية وقديسة بابك الموصود بوجهها هي التي ستفتح لك أبواب مئات آلاف الموجوعين بعجز الطب عن شفائهم، وأنتَ الحائز على جميع الجوائز المسكونية بعجائب تجترحها باسم معلمك يسوع!!
أنطون زعرور مخلوف المكاري البقاعكفري الخبير الضليع بمعابر ومفارق قرى كتف قاديشا والأب المسلوخ عن عائلته المستورة استبدادًا وقهرًا وسخرةً، رحل في خلسات فجره الدامع وفجور تهجيره عن مملكة فقره المرصَّع بعرق جبين فلاحي ذلك الجرد الأعلى والمتوَّج بقانون إيمان يساوي ربَّهم بكرامتهم.
جوار ضريح بطرس هامة الرسل وجوار ضريح البابا القديس بولس السادس الذي أعلن طوباوية وقداسة حبيس محبسة بطرس وبولس فوق جبل عنايا، وجوار ضريح المقاوم البولوني كارول فواتيلا المعروف بالبابا الأبيض يوحنا بولس الثاني يسكن راهب لبناني ماروني شربليٌ بقاعكفريٌ مخلوفي نضح ضريحه وجثمانه عرقًا ودمًا بمقدار ما نضح جسد حبيس صليب الفداء يسوع المصلوب المرفوع فوق محبسة الجلجلة والقيامة!
خرج سند الأم والأبناء تاركًا لمخيَّلةِ يوسفه الطفولية وذاكرته البريئة طيف وجهين غاليَين متساوين: وجه أبٍ حفرت فيه أشواك الحقول ومشقّاتها تمثالاً ومثالاً للمأثورة اللبنانية: “فلاح مكفي سلطان مخفي”، ووجه وطنٍ منسوخ نسخًا شبه متطابق عن آباء مغلوبين على أمرهم جرجرتهم سخرة سلاطين الظلمة البرانية على دروب المهانة القاتلة. وهل من إهانة أشدُّ فظاعةً وفظاظة من أن يحمل ابن الأرض اللبنانية قمحه على كتفه كي يلتهم خبزه الغرباء، ووللغاصب المحتل إبراهيم باشا المصري أشباه كثيرون يغتصبون حلال خيرات الأوطان الصغيرة بالتواطؤ مع أمراء بلديين يتناتشون كراسي الحكم وجباهم ممسحة لأدراج سرايات ولاة الأمر والنهي ووهب الوجاهات لقاء نهب شعب طالبيها!
يوسف يتيم أنطون زعرور مخلوف يلتقط سمعه الطفوليُّ الرهيف من مسبحة أمه بريجيتا عبارة صلاة: “أبانا الذي في السماوات”، فيلتقطها عقله الحسّاس ظانًا بأنَّ حدود هذه السماوات ليست ببعيدة عن قمم الجرد البقاعكفري، فتسحبه قدماه الصغيرتان إلى فوق كي يسأل ويستفسر إن كان إنكشارية إبراهيم باشا يستطيعون إعتقال هذا الأب الذي في السماء وسوقه إلى السخرة كما فعلوا بأبيه أنطون، فيتلاقى اليتيم المقهور بصليب خشبي مغروز فوق إحدى تلال بقاعكفرا، فيسمع صوت مصلوبه آتيًا إليه من فوق جبال الشمس والأرز: وأما مثل أبيك يا يوسفي الصغير قد كُلِّفت بسخرة حمل صليب الإنسانية بأكملها!
يوسف ربيب مذبح كنيسة سيدة بقاعكفرا ورفيق مبخرة قداديسها وزياحاتها، يهرع إلى إنجيلها يفتحه على متى الإنجيلي كي يسمع بالروح من فمه حكاية إنذار ملاك الرب ليوسف بأن يحمل الصبي يوسف وأمه مريم ويهرب بهما إلى مصر تجنُّبًا لسفّاحي هيرودس. ولعلَّ يوسفنا المخلوفي قد وجَّه للإنجيلي متى هذا السؤال الأكثر حراجةً: “كيف تكون البلاد المصرية حمايةً وملاذًا لعائلة الناصرة، وكيف يزحف من هذه المصر بالذات من يعتقل والدي إلى السخرة ويتسبب بموته على دروب الغربة واللاعودة، والملاك الذي أنذر يوسف أما كان بإمكانه إنذار أبي وإنقاذه من بين بنادق بناديق الحكم المصري إبراهيم باشا؟!
يا فتى مراعي الجرد الأعلى قممًا وعشبًا وصخورًا، ها هو يسوع يوجّه إليك ذات السؤال الذي وجّهه ثلاث مرات لرأس تلاميذه: “يا سمعان بن يونا هل تحبني”، فتجيبه أنتَ بعفويتك: إنَّ الحملان والخراف والنعاج التي كلَّفت بطرس برعايتها هي التي كانت الزاد الوحيد لأمي وإخوتي اليتامى، وأنا الراعي الصغير الذي خرَّجته حقولنا البقاعكفرية من مدرسة حملانك وخرافك ونعاجك. دعني أكمل مشواري معك إلى حظيرة الطاعة والعفة والفقر!
يا إبن مكاري بقاعكفرا
قبلك بـ2024 سنة دخل يسوع إلى إحتفالية أورشليم مدينة الشعانين وأطفال الهوشعنا وأغصان الزيتون راكبًا على جحش إبن أتان. وأنت صبيحة الجمعة 19 كانون الثاني قد وصلت إلى صرح بطرس خليفة المسيح على الأرض وفاتيكان روما المدينة المقدسة راكبًا على ظهر دابة والدك المكاري أنطون زعرور مخلوف!!
يا شربل بلاد وثورة الأرز
أشباه وأمثال أبراهيم باشا الذي احتل أباك ووطنك وقمح أهلك، أنت تعرفهم واحدًا واحدًا وليس غيرك من يتولَّى أمرهم من دون استعانتك بسيف بطرس الذي قطع به أذن رئيس الخدم… وإنَّ كلَّ من أخذَ لبنانك بحدِّ السيف فبذات السَّيف سيؤخذ!!!
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]