خارطة كتل برلمان 2022.. التعددية لا بد منها والجدوى للنوعية!!

حجم الخط

كتبت ألين الحاج في “المسيرة” ـ العدد 1749

منذ انطلاقته عام 2001، أرسى لقاء “قرنة شهوان” حالة إستثنائية تركت بصمتها على الحياة السياسية اللبنانية، ونجحت في التأسيس لمرحلة جديدة ظهرت نتائجها بعد أعوام. من رحم المجتمع المسيحي المعارض للإحتلال السوري وُلد، برعاية البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، قبل أن يتمكن في السنوات اللاحقة من إختراق جدار الطائفتين السنيّة والدرزية، ويتحوّل إلى نواة وطنية سيادية صلبة اتحدت تحت إسم “14 آذار”.

تجلّت أولى ثمار النواة الجديدة مع “ثورة الأرز” عام 2005 عقب استشهاد رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري حيث فرضت إنسحاب الجيش السوري وساهمت في خروج الدكتور سمير جعجع من المعتقل وعودة ميشال عون من المنفى.

بعد مرور عقدين ونيّف على لقاء “قرنة شهوان”، تغيّر وجه لبنان وانفرط عقد”14 آذار” فيما اتسعت هوّة الشرخ بين المجموعات السياسية السيادية. وازداد المشهد تعقيداً بفعل غياب التناغم بين الكتل النيابية على مختلف أحجامها وتوجّهاتها، حيث فشلت الانتخابات الأخيرة في إنتاج أغلبية قادرة على تحديد لون البرلمان وأخفقت الكتل السيادية بالتالي في رسم صورة أفضل للبنان المستقبل والبتّ في استحقاقات طارئة في مقدمها الشغور الرئاسي مع ما يلقيه من ثقل على لبنان.

في إطار التشتت النيابي الحالي، نشأت مبادرة لتشكيل كتلة برلمانية شاملة تحمل إسم “اللقاء التشاوري”، وذلك بدعوة من النائبين عبد الرحمن البزري ونبيل بدر، وتهدف بشكل أساسي إلى جمع عدد من الكتل النيابية الصغيرة وفي مقدمها كتلة “الإعتدال”، التي تضم عددًا من النواب من دوائر عكار والضنية-المنية، إلى جانب كتلتي “لبنان الجديد” و”مشروع وطن”، ويشارك فيها نواب مستقلّون من صيدا-جزين وعدد من النواب التغييريين بهدف توحيد مواقفها حيال الإستحقاقات الحالية.

لم تنضج فكرة “اللقاء التشاوري” بشكل نهائي حتى الآن، لكنه يسعى جاهداً لإعطاء الأولوية لعملية انتخاب رئيس، فيما لا يزال دور الكتل الجديدة المنبثقة عن البرلمان مبهماً بسبب عددها المستمر في الإرتفاع، والذي ينذر بمزيد من الشرذمة في المجلس النيابي.

تخطى بعض هذه الكتل، الصغيرة نسبياً، الحدود الطائفية على مثال كتلة “تجدد” فيما شقت “كتلة الإعتدال” السنيّة طريقها في محاولة لملء الفراغ الناتج عن غياب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي علّق العمل السياسي وامتنع عن خوض الانتخابات النيابية الأخيرة، ما أدى إلى تشتيت الأصوات السنيّة.

أما “حزب الله” الذي يسعى للسيطرة على موقع الرئاسة الأولى عبر فرض مرشحه، فمنذ اندلاع جبهة الجنوب، أخذ ملف الرئاسة رهينة في سوق المفاوضات، وتمسك به بقوة، محاولاً تحقيق مكاسب داخلية إضافية من خلاله.

غير أن خلط الأوراق البرلماني حمل في طيّاته توازن رعب خفي نجح حتى الآن في قطع الطريق على فريق الممانعة ومنعه من فرض مرشحه الرئاسي النائب السابق سليمان فرنجية، ويعود الفضل في ذلك إلى توحّد الكتل السيادية الكبرى، الجمهورية القوية والكتائب اللبنانية واللقاء الديمقراطي مع كتلة “تجدد” وعدد من النواب التغييريين، وإن عجزت عن إنهاء الشغور وإيصال مرشحها النائب ميشال معوض أو مرشح التقاطع مع التيار الوطني الحرّ الوزير السابق جهاد أزعور.

 

حركة طبيعية ولكن..

عن واقع إنبثاق تكتلات جديدة داخل المجلس النيابي يؤكد عضو حركة “تجدد” النيابية النائب أشرف ريفي لـ”المسيرة” أنها حركة طبيعية “تعكس الديناميات السياسية والتفاعلات بين النواب ويكون تأثيرها كبيراً ليس بسبب شكل التكتل وعدد أعضائه بل بفضل التوجّه السياسي الذي يتبنّاه، سلبياً كان أم إيجابياً”.

ويكشف ريفي أنهم ككتل معارضة كبيرة وصغيرة “يشكلون بلوكاً صلباً سيادياً مؤلفاً من واحد وثلاثين من نواب الجمهورية القوية والكتائب و”تجدد” وبعض التغييريين والمستقلّين في مواجهة القبضة الايرانية والمشروع الإيراني”.

غير أن الواقع النيابي الحالي لا يمثل المجتمع اللبناني أفضل تمثيل، يضيف، ويدعو إلى ضرورة تغييره عبر “إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد انتخاب رئيس للجمهورية”، عارضاً الأسباب الموجبة لذلك، “أبرزها الواقع السنّي المشرذم وغير القادر على الإلتحام مجدداً، إضافة إلى ما شكّله عدد من النواب التغييرين من صدمة لدى ناخبينهم”. ويشير ريفي أيضاً إلى أن “الواقع الشيعي غير مقبول في ظل وجود كتلتين شيعيتين من دون أي إختراق باتجاه معين”.

 

رئيس يشبه المرحلة المقبلة

لا ينفي ريفي صعوبة إنهاء الشغور الرئاسي في الوقت الراهن نتيجة أحداث غزة، لكنه يرى “أن الإنتقال من المسار العسكري إلى مسار السياسي في فلسطين يعني حتماً التحضير لمشهدية جديدة تشمل المنطقة بأكملها، وحينها يمكن انتخاب رئيس للبنان يشبه المرحلة المقبلة”. ويؤكد على أن “وجود سلاح غير شرعي في أي دولة “يعاكس طبيعة الأمور ومصيره الزوال، خصوصاً في بلد متعدّد الأطياف مثل لبنان، حيث يستحيل أن يأخذ مكوّن واحد المكوّنات الأخرى إلى حيث يريد لفترة طويلة”.

ويختم ريفي بالتأكيد على أن قوة المجموعة المعارضة تتجسّد في رفضها القاطع للمشروع الإيراني وتحديدها للخطوط الحمراء “عدم إيصال مرشح محسوب على “حزب الله” أو ينتمي إلى المشروع السياسي الآخر”.

 

دور ضاغط للكتل النيابية

بدوره يؤكد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم أن الكتل النيابية تلعب دورًا بارزًا في الحياة السياسية، ويشير الى معركة التمديد لقائد الجيش في المجلس النيابي وضغط كتل المعارضة. ويقول: “المعركة كانت قاسية لارتباط الملف بالمفاوضات المتعلّقة بتنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، وانعكاسه أيضًا على الوضع الوطني العام”.

ويكشف كرم أن الموفدين الدوليين لا يجرون مفاوضات مع “حزب الله” فحسب بل “مع الدولة اللبنانية على رغم عدم قدرتها على تحديد مسار الحرب من عدمه”، مؤكداً في المقابل أن قرار الحرب ليس مع “حزب الله” “بل في يد النظام الإيراني”.  ويضيف أن لقاءات الموفدين تجري أيضاً مع مسؤولي الأحزاب وكافة الأطراف السياسية لتحذيرهم من خطر إمتداد الحرب إلى لبنان ودفعهم بالتالي للضغط على “حزب الله” كونه الطرف الوحيد الذي يحمل السلاح ويعرّض لبنان للتدمير ودفع ثمن الحسابات الإيرانية ومشروعها النفوذي في المنطقة عبر التفاوض مع الأميركيين والإسرائيليين بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

القوات مستمرة في المواجهة

وفي هذا السياق، يشير كرم إلى دور حزب “القوات اللبنانية” ضمن الكتل المعارضة، في العمل بكل الوسائل المتاحة لفصل لبنان عن ساحات الممانعة وتحريره من قبضة محور الممانعة. “التحديات كبيرة لكن من قدم آلاف الشهداء لن يتخلّى عن تاريخه وهويته، وسنتمسك دوماً بالمشروع اللبناني الذي لا يمكن أن يتناغم مع مشروع “حزب الله” الغريب عنا، ومصير الأخير هو الفشل مقابل إنتصار المشروع اللبناني”.

تتأثر اللعبة السياسية في لبنان بالأحداث والتحوّلات الإقليمية، مما يعزز التحالفات أو يؤدي إلى تصاعد التوترات الداخلية، لكن من الضروري أن يُؤخذ في الإعتبار أن الوضع السياسي في لبنان قابل للتغيير بسرعة.

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل