رمزي عزام حين كتب آخر سطوره

حجم الخط
رمزي عزام ـ وداعًا
رمزي عزام ـ وداعًا

“يا ريت عـندي بـيــت، ما يغـيـب مـنــّـو حـدا

صور كل يللي بحـبـن فـيـه

يـغـفـو عا نـومـي ومن صـحـوتـي يـفـيـقــو

وكـل ما حـدا عـِمـي من شـتـي غـيـمـي

و ضـيـّـع طـريـقــو

بـيـتــي .. جـفـن عـيـنـو بـاب بـيـفـتـَح يلاقـيـه”

الإمضاء: رمزي عزام

…يا لسخرية القدر تلك، التي شاءت أن يموت رمزي عزام بعد ساعات قليلة من كتابته لهذه الابيات، اذ غاب عن البيت هو شخصيًا، ولم يكن أبدًا ليعرف أن آخر سطوره تلك ستكون موجهة اليه!

 

قاس القدر بأحكامه، قاس الى درجة أننا نرفضه أحيانًا ونرفض معه حتى إرادة الله، حين تغلبنا اللحظة المفجعة، وقبل أن نعود لرشدنا وإيماننا واستسلامنا لما رسمه لنا الرب، وتلك الإرادة شاءت أن تأخذ على غفلة، الاعلامي الزميل والشاعر الرقيق “الثورجي” بتعابيره وصوره، رمزي عزام، الى بيت السماء بعدما باغتته ذبحة قلبية غلبت القلب الشغوف، هو الذي كان يضجّ بالحياة صوتًا وقلمًا وحضورًا من خلف شاشة “العربية ـ الحدث”.

ابن معاصر الشوف، ابن ذاك الجبل الأخضر، الذي تفوح منه عراقة أمراء جبل لبنان ومناضلوه وكتابه ومثقفوه، حمل رمزي عزام معه الى الإمارات عبق كل تلك الكرامة، حين بدأ العمل على شاشة العربية منذ بداياتها، فكان الإعلامي المثقف الطيب المنفتح على الجميع، المتعاون مع زملائه، الأنيق الحريص على مظهره، والعاشق الكبير لوطنه وعائلته وزوجته وأولاده. صديق الجميع، يتنقل فيما بينهم وكأنهم أسرته الثانية، يساندهم ويقوم بمهامه الإعلامية على أكمل وجه، ونحن الذين لم نعرفه شخصيًا تعرّفنا اليه كوجه لبناني مميز على شاشة عربية رائدة، كنا نفرح أنه مع باقة من بعض الزملاء اللبنانيين، يشكِلون علامة فارقة عبر تلك الشاشة الاستثنائية، ونفخر بحضورهم وتألقهم ومهنيتهم العالية.

مع شغف رمزي عزام بالشاشة، كان لديه شغف آخر، كتابة الشعر، وكان له ديوانان، “حلم” و “ركوة حبر”، وفيهما سكب كل ذاك الشوق والحنين للبنان والجبل، وأهل الأرض وناس قلبه، كما نشر الكثير من قصائده تلك عبر صفحته على فايسبوك. “كان عندو كتير من نفسو، انسان بيحترم حالو وشغلو وزملائه، ولا يوم تذرّع مثلًا بأي حجّة بغية الحصول على زودة أو ما شابه، إعلامي صادق محترم، وأعتبر أنه من الإعلامين القلائل الذين ما زالوا يحافظون على كرامتهم في هذا الزمن التعيس”، يقول عنه أحد الزملاء الذين واكبوه في تلفزيون العربية.

منذ فترة انتقل رمزي عزام الى الرياض مع فريق العمل، وكان متحمسًا ممتلئًا نشاطًا ولكن كان قلقًا على لبنانه، هو ابن الثورة منذ انطلاقتها. كان يرفض أي عتاد غير شرعي، ويرفض تدخل الغرباء بمصير لبنان. كتب عن لقمان سليم، وعن الثورة، وعن ابنه، وعن الحب، كما كتب وبكل جرأة، “يجب طرد قيادات حركة. ح من لبنان”، كان يحب كمال جنبلاط وبقي وفيًا له وخصصه أيضًا بسطور قلمه المنتمي لجبله بقصيدة ختمها، “خلقت ومات النعس، وخلق الفكر ع ضهر الفرس، ولبنان أدّن الادان وكنيسي ترقّص جرس”. أسلوب شاعري مختلف عما هو سائد.

رمزي عزام، السيادي ابن ثورة الأرز، كان يريد كما كل السياديين، أن يكون لبنان حرًا مستقلًا، يعيش بطوائفه كافة بحدوده تلك من دون تدخلات غريبة أو احتلالات. قاوم تلك الاحتلالات بمشاركته بالثورة، ولكنه كما كل اللبنانيين السياديين أيضًا، أصيب بالخيبة، ومع ذلك بقي مؤمنًا أن لبنان لن يكون الا لأهله. واللافت انه هو الدرزي ابن الجبل المنفتح على الجميع، نشر عبر صفحته على “فايسبوك” في 23 كانون الأول 2032، أي قبل عيد الميلاد بيومين، صورة المسيح، وألقى فوق الصورة بالصوت والقلم قصيدة رائعة جاء فيها:

“ميّل على هالارض عَطِش عطش هالناس

راضي الوجع خلَع بواب اليباس

سكَر بواب الطمع، في كتار بيحكو وما بيسمعو

كسِر حيطان السمع

ميِل…ميَل على هالارض المعَتمي وناطرة شموع

ميِل… حاجي الوطن عن هالبلد مرفوع

حاجي البشر عم يقشعو وينقشعو دموع

ميِل تـ يميل المسموع

ميِل على هالارض للي من هالارض مِشيتْ ع عرس السما طلوع”.

…وها هو رمزي عزام يرتشف قهوة الحلم بحبر السماء، حيث قصيدة القصائد يكتبها وبأناقته المعهودة، وحلمه الذي لطالما تجاوز حدود المكان، يكتبها الان بجوار الله على ركوة حلم وقصيدة وشغف.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل