لم يكن ما عبّر عنه مؤسس التيار الوطني الحر ورئيسه مِن ما شُبّه للبعض أنه افتراق أو طلاق بين “التيار و”الحزب”، يُقال للمرة الأولى… فقد سبق لهما أن تمايزا عن “الحزب” في محطات كثيرة لزوم “الزكزكة” والاستحصال على المكاسب من جهة، كما استقواء التيار بتأمينه الغطاء المسيحي للح.زب انطلاقًا من أنه “عرف مقامه عند الحزب فتدلّلا”.
بالتالي، لم تكن ردة الفعل المتجاهلة لـ”الحزب” لما ورد على لسان عون ـ باسيل، ولم يكن غض طرف قيادات “الحزب” عن التمايز الاستراتيجي المُعبّر عنه، هما الوحيدان أو حصلا للمرّة الأولى.
طبعًا لن تكون عودة مياه العلاقة بين التيار و”الحزب” ولو كانت معكّرة حاليًا، الى سابقها بالمستبعدة، أو كأنها لم تحصل قبلًا، كونها لا تزال تحت العنوان الذي رفعه ميشال عون في 10 تشرين الثاني 2014 حين قال: “إننا والحزب أصبحنا اليوم في مرحلة تكامل الوجود”.
ما أوردناه أعلاه واضح وموثق أولًا بالتجارب السابقة كما في كلمة باسيل نفسها بتاريخ 20 شباط 2024 المنتقدة لـ”الحزب” لأسباب تبيّن أن لا علاقة لها بمواضيع الانتقاد اذ قال فيها: “نقدّر معادلة الردع التي ثبّتها الحزب وانبثق منها قواعد الاشتباك وهي وحدها منعت حتّى الآن اسرائيل من الاعتداء الكبير على لبنان”.
مناقضًا أو مصحّحًا أو موّضحًا لما جاء على لسان ميشال عون الذي قال قبل يوم: “…الدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده…” يكمل باسيل ملطّفًا مثنيًا على “الجرأة والحكمة في مواقف الأمين العام للح.زب، الذي يُظهر حرصًا على لبنان وحمايته من دون خسارة المكتسبات الاستراتيجية التي تحقّقت”… ليكمل وقوفه مع “المقاومة” لحماية لبنان بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
في المقابل، يقرّ النائب آلان عون في 21 شباط 2024 “أن العلاقة تغيّرت مع الحزب، ولا وحدة في كل المواقف، والتفاهم معه كما كانت أيام التحالف على كل المواقف بحاجة الى إعادة صياغة، لكن لا طلاق”، ليكمل: “الاتفاق مع الحزب نَصّ على استراتيجية للدفاع عن لبنان لذا يرفض عون والتيّار خوض حروبٍ أخرى”.
في قراءة لما قاله النائب عون، ذكر أن “العلاقة بحاجة الى إعادة صياغة” وأن “لا طلاق”، أي أنه يكرّر ما سبق أن ورد على السنة قياديي التيار والحزب بأن العلاقة هي تكامل وجودي وعلاقة زواج ماروني يحتاج من وقت الى آخر لصيانة أو “اعادة صياغة”.
أما بالنسبة لرفض الانخراط في حروب خارج الدفاع عن لبنان “كما ورد في ورقة التفاهم”، فإن الوقائع تدحض هذا الادعاء، إن من خلال تغطية التيار لمواجهة 7 أيار 2008 وانخراط الحزب في سوريا والعراق واليمن والكويت وغيرها، وإن في ما ذكر في التفاهم نفسه في بنده العاشر “ان السلاح يبقى وسيلة مقدّسة”.
لعل المؤشر الأبرز والمستجد الذي يعطي فكرة على ما لدى التيار والحزب من حرص على عدم قطع خط الرجعة بينهما خاصة بعد تصريحي عون وباسيل، هو في ابلاغ “الحزب” لقيادة التيار بالتزامه بالتصويت لمرشح التيار الوطني الحر المهندس فادي حنا في معركة نقابة المهندسين في 14 نيسان 2024 .
على الرغم من أن نظرية “ما بني على باطل فهو باطل” تنطبق على العلاقة الملتبسة غير الصحية وغير المبدئية بين التيار اللبناني المسيحي والحزب الديني الاسلامي الشمولي، فان التيار الوطني الحر لا يزال يتعامل مع “الحزب” كحليف ضرورة وحاجة، مسقطًا عنه بحلفه هذا في حال استمراره، كل حرية ووطنية.
فعلًا، إن صاحب الحاجة أرعن.