موقف الولايات المتحدة من إيران في الشرق الأوسط يعكس توجهاً استراتيجياً متعدد الأوجه، ويتأثر بعدة عوامل من بينها السياسات الداخلية والخارجية، والتطورات الإقليمية والدولية. بشكل عام، يتسم موقف الولايات المتحدة من إيران في الشرق الأوسط بالحذر والتصميم على تحقيق المصالح الأميركية والحفاظ على استقرار المنطقة، وذلك من خلال مزيج من الضغط الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي.
تشير الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن إلى أنها نجحت في ترهيب إيران وميليشياتها في العراق وسوريا. تحدث مصادر عديدة في الحكومة الأميركية عن التهديدات الحالية الناشئة من إيران في منطقة الشرق الأوسط، مؤكدة أن سياسة بايدن تجاه إيران تحقق أهدافها.
في هذا السياق، تركّز الإدارة الأميركية على عدم توسيع الصراع في الشرق الأوسط، وتسعى إلى الحفاظ على النزاع في غزة دون التوسع إلى مناطق أخرى. يؤكد مسؤولون أميركيون أن بايدن وفريقه نجحوا في إبعاد إيران عن منطقة الصراع، سواء عبر الوسائل الدبلوماسية أو التحركات الميدانية.
لا تقوم إيران بنشر قواتها على الأرض أو بإرسال قوات من أراضيها للقيام بأعمال عسكرية مباشرة. بدلاً من ذلك، تستخدم إيران استشاريين وجنودًا من الحرس الثوري للعمل مع الميليشيات العراقية وقوات النظام السوري التي تدعمها.
تعتبر هجمات الميليشيات العراقية خلال الشهر الماضي تهديدًا حقيقيًا للقوات الأميركية المتمركزة في العراق وسوريا، وقد تمثل مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة “البرج 22″ في الأردن خرقًا واضحًا للخطوط الحمراء.
استجابة لهذه التهديدات، قامت الولايات المتحدة بحملة قصف جوي على مواقع للميليشيات والحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق. وتمت عمليات قتل لقادة ميليشيات مثل كتائب حزب الله في سوريا.
بايدن أرسل رسائل مباشرة وغير مباشرة للحكومة الإيرانية، مشيرًا إلى استعداده لقصف الأهداف الإيرانية إذا قامت إيران بتوسيع الصراع وتهديد الجنود الأميركيين.
تعتبر الولايات المتحدة أن الهدوء الحالي في المنطقة قد يكون مؤقتًا، وينتظر الأميركيون استعادة الإيرانيين للمبادرة في المستقبل.
يرون أن ما فعلته الإدارة الحالية والهدوء الذي التزمت به إيران وميليشياتها هو نتيجة جيّدة، وأن الردع قائم بحسب المتحدثين في واشنطن وما قالوه لـ”العربية” و”الحدث”.
إيران تتخلّى عن كميات من اليورانيوم
لم يؤكّد الأميركيون إن كانت تهديدات بايدن بضرب إيران قد ساهمت في خفض التوتر النووي.
ففي يوم الاثنين 26 من هذا الشهر، سرّبت أكثر من دولة تقرير مدير وكالة الطاقة الذرية عن إيران ويقول فيه إن إيران عمدت إلى خفض كميات اليورانيوم المخصب لديها.
وقال تقرير رافاييل غروسي إن إيران عمدت إلى تحويل كميات من اليورانيوم القريب من “الدرجة العسكرية” أي أعلى من 60 في المئة، وهذه هي المرة الأولى التي تتراجع فيها الكميات “الخطيرة” منذ العام 2021، ويشير التقرير إلى أن الخطوة الإيرانية جاءت خلال الأسابيع القليلة الماضية.
هناك استنتاج غير مؤكّد من قبل الإدارة الأميركية ويقول إن “إيران أبطأت من تخصيب اليورانيوم وخفضت كمياته بنسبة 60% بعدما أبلغ بايدن طهران أنه سيقصف في حال التصعيد”.
لم يؤكد المتحدثون الأميركيون هذا الربط، بل عادوا لدى سؤالهم عن تهديد بايدن لإيران وخفض نسبة اليورانيوم إلى القول إن “الإدارة الحالية راضية عن أنها تمكنت من احتواء النزاع، وحصره في غزة، وأن الميليشيات توقفت عن مهاجمة الأميركيين منذ أسابيع، وأن الإيرانيين لم يحركوا أية قوات بحرية ولم يقوموا بأية أعمال تحرّش في الخليج العربي أو مضيق هرمز”.
“هذا الهدوء المريب” يقابله الأميركيون من جهة أخرى بالتأكيد أن القوات العسكرية الأميركية تتمتع بقدرات هائلة للتحرّك، فهناك أعداد كبيرة من القوات الجوية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد المصادر العسكرية أن الأميركيين قادرون على إرسال طائرات استراتيجية من أراضيهم، ومن أراضي بلدان صديقة، خصوصاً في أوروبا، للقيام بأية أعمال قصف ضرورية.
ورغم الكثير من المؤشرات على أن القوات العسكرية الأميركية تعاني من الانشغال في مسارح عمليات حول العالم، يريد الأميركيون التأكيد للإيرانيين أنهم قادرون، وخلال ساعات، على حشد قوات ضاربة جوية وبحرية كثيرة، وأنهم يستطيعون ضرب أهداف إيرانية يرى الأميركيون أن تدميرها ضروري إما لإضعاف القدرات الإيرانية أو لتوجيه رسائل تحذيرية.